ثقافة وفن

بعضُ تجربتنا مع الدراسات والتوجّهات التكاملية المركَّبة منذ البدايات

1

أشرْتُ في أماكن مبَعْثرة إلى تجربتي الأولى في تحليل نظُم معرفية وفلسفية متنوعة ومتقاطبة، ثم تركيبها من جديد، ثم رصْد مجالات وواقعيات تركيبها نوعياً في منظومات كبرى جديدة مركَّبة ومعقَّدة منذ كتابي الأوَّل:([1]) فعلتُ هذا مع إرجاعية ماركس وبرجسون إلى التقنية، مع لحْظ الخيوط الخفِية الرابطة بين الماركسية المادية الجدلية والبرجسونية الحيوية التطوُّرية؛ كما فعلت هذا مع إرجاعيات وتبسيطيات كنتُ قد جرَّبتُها ما بين منظومتي الماركسية والبراغْماتية في لقاء المصالح والاهتمامات والمنافع والتطبيق والعملية/العملانية في المنظومتين. كان هذا أواسط الستينيّات في كتابي الأول حينَها، والذي فيه كثير من المنظوميات والكليّانية المنظومية تحليلاً وتركيباً وتركُّباً معقَّداً، وبالتالي ثمةَ البذور الأولى للتوجُّهات التكاملية المركَّبة التي كانت تبْزغ وتنشأ للتوّ تقريباً حينها في العالَم، مع المنظوميات ذاتِها بدورِها: ففي التجربة الأولى مواكبة تزامنية مع أحدث اتجاهين بازغَين ناشِئين: المنظوميات، وتعددية الاختصاص/التكاملية المركَّبة؛ بل وثمة مواكبة لناشئٍ جديد آخر ووافِد كبير هو علم العلم الذي تَبلْور ونضج حيْنها بالتزامن مع بَين وتعدّدية الاختصاصية، وستجد ذلك في كثير من عناوين هذا الكتاب حول الجوانب التداخلية المركّبة فلسفياً وعلمياً لمعالجة مشكلات كبرى عالمية بل تاريخية فكْرياً: السَفْسطة (تفكيكاً وتركيباً) ـ اللانهاية (فلسفياً وعلمياً) ـ النِسبية (البسيطة والمركبة، الكمّية والكيفية، العلمية والفلسفية وفكْر العلْمية) ـ الجبرية/ الحتمية (علمياً وفلسفياً وبصورةٍ لافتة في التركيز على استخلاص الدروس فكْر العلمية من آخر وأحدث نتائج وإشكالات تطرحها الميكانيكا الكوانْتية والميكانيكا الموجيّة/ الميكانيك الكوانْتي والموجي ـ حينذاك!!). ثم إنَّ قضايا المشاركة ستجدها في هذا الكتاب أيضاً وهي التي تَبلْورت أمميّاً عام 1966 ـ حينها ـ في وثيقتين تفصيليَّتَين لوثيقة حقوق الإنسان هما: الحقوق الثقافية والاجتماعية، والأُخرى المدنية والسياسية.

وتبدو واضحةً ملامحُ التركيب والتكامل في منظورٍ آخَر أيضاً هو التطرق إلى إشكاليتَين متقاطبتين فلسفياً وعلْميّاً ـ فكرياً هما: نظرية المعرفة (الغنوسيولوجيا/ الابستمولوجيا) ومِن عدة منظورات ووجهات ومذاهب فلسفية ـ هذا مِن جهة، والأنطولوجيا أيضاً (ولاسيما اللانهاية) مِن وجهات نظر عديدة أيضاً وفلسفياً وعلمياً ـ على السواء ـ من جهة أخرى، بل إنَّك لن تجدَ وَحْدانية الرؤية في أيّ موضوع، لأن الأنطولوجيا مندمجة التحامياً وكلّياً بالغنوسيولوجيا/ الابستمولوجيا حتى في حال جَرتْ معالجةُ قضايا مصنْفة على أنها إحداهما، هذه أو تلك، فهي تُعالج من المنظورَين والجانبَين معاً وتركُّبيَّاً.

وفي قسم الأخلاق معالجة أخرى للصِلات الفلْسفية بين مسائل الاختيار والحرية، ثم عقد صلة بينها كمسائل أخلاقية وبين الجبرية (الحتمية) مِن منظورِها الأنطويوجي/الابستمولوجي أوَّلاً والفلسفي ـ العلْمي ثانياً.

وهنا رَصْد آخر للجوانب بين ـ الاختصاصية، والتكاملية ـ المركبة في هذا المؤلَّف/ العمل سواء منه مباشرةً أوْ مِنَ المقدمات والشروط التي أدَّتْ إليه وولَّدَتْه ـ أعني المرجعيات والاهتمامات الشاملة المتنوعة السبَّاقة، وذلك بأنْ أورد شذراتٍ ومقْتطَفاتٍ مِن مقدمتي لطبعة الكتاب المنشورة عام 2004 في دمشق: جاء في ص8 مثلاً إشارة إلى بعض الأعمال الأدبية العالمية المقروءة في الابتدائية، ومنها لِشكسبير، وفي ص9 تفاصيل أكثر حول أعمال أدبية من سائر القارات، ثم الأعمال الأدبية ـ الفلسفية: سارتر وكامو وسيمون دي بوفوار، وفي هذه الصفحة إشارة إلى كتب في فقْه اللغة وعلْم اللغة أيضاً، وأُخرى في المذاهب الاجتماعية/ الفكرْ الاجتماعي والفلسفة الاجتماعية.

وفي الصفحة التالية من المقدمة ـ ص10 ـ إشارة إلى الاطلاع في حينِه، وقبل تأليف الكتاب، على أهمّ منابع الفكر الاشتراكي أيضاً، بما فيها أعمال أصلية هامة لماركس وانجلس ولينين، ولأهم كتب الديالكتيك والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي في المنظور الاشتراكي العلْمي، جنباً إلى جنب مع الكتب الفلسفية اللاهوتية المعمَّقة (النَّقيضان!!) وكتب هامة كبيرة ـ (بل كبرى) ـ في آفاق الفكر المعاصر (غايتان بيكون..) التي تمتاز ببنْيتِها التكاملية المركَّبة تكوينيّاً لأنها تتضمن ذاتياً العلم والفلسفة والفكر الاجتماعي والسياسي والمذاهب المعاصرة الأهم والأكبر والأحدث على تنوعها، وفي ص9 ـ 10 من المقدمة إشارة إلى اطلاعات منْهجية مذهبية ـ علمية محورية اهتمت بالاتجاهات والمدارس المؤثّرة: النسبية والفكر النسبي مع أحدث إنجازات الفيزياء المعاصرة؛ ـ نظرية ـ (بل نظريات) ـ التطوُّر؛ ـ الفرويدية والتحليل النفسي؛ ـ البراغماتية وكتب وليم جيمس؛ ـ برجسونوتطوريته الفلسفية الحيوية الخلاّقة؛ ـ الوجودية؛ ـ جمهورية أفلاطون؛ ـ ديكارت في عقلانيته«وتأملاتِةالمتيافيزيائية في الفلسفة الأولى»؛ ـ فريدريك نيتْشه…؛ ـ الوسائل والغايات (هكسْلي)، والأمير (مكيافيللي) [انتبه معي إلى حِرصي منذ بداية البدايات على متابعة ورصْد أيّ إشكالية محْورياً ومنهجياً وبحثياً مِن كافة الجوانب وبحسبان تنوُّع المنظورات والآراء].

وفي المقدمة، التي هي تقييم للكتاب بمعنى ما وتقديم لمنظور تحليلي نقدي، محطاتٌ إيضاحية أخرى في ص22 هي: «يلفت الانتباه ذاك التصور التطوّري العلْمي للعلاقة بين الأشياء والعلاقات في المركب المبتكَر في هذا المخطوط «الأشياء ـ العلاقات» وأتتْ صياغةُ هذا التصوُّر بمثابة قانون علْمي لدينامية بنْية هذا المركَّب ذاتِه: «التطور يسير في اتجاه ازدياد العلاقات المدْرَكة مع المحافظة على وحدة الأشياء والعلاقات..»، وهذا ينسجم فعلاً مع تطور العلم باتجاه كشف مزيد من العلاقات وتصاعد نصيبها في بنْية مركَّب«الأشياء ـ العلاقات»…» . وفي ص23 من المقدمة تالياً: «وفي سياق طرح رأي متميز في نظرية المعرفة البراغماتية وصِلة المذهب العملي بالحقيقة تجري صياغة ذات راهنية وأهمية واضحة، حتى الآن، لأهم مبادئ المنظومية والفكر المنظومي (المنظوماتية…) ولاسيما للعلاقة بين الجزء والكل وبين النظام الجزئي والنظام الكلي.». «ثم يجري استعراض موقع التطبيق والممارسة وأهميتها وموقعها الخاص في نظرية المعرفة المادية الجدلية ولكنْ بصياغات مبْتكرة تضفي إيضاحات كثيرة على الصِلة بين التطبيقية الجدلية والمادية، والمنفعية (المصلحية) البراغماتية مما يساعد على فهم التقارب الخفِيّ ـ وليس التناقض المزعوم عقائدياً ـ بين هذه وتلك: بين التطبيق والممارسة ـ من جهة، والمنفعة والمصلحة ـ من جهةٍ أخرى، مما يجعل نظرية المعرفة في المذهبين النقيضين فلسفياً ـ حسب التوهُّم العقائدي الزائف ـ مرتكزةً إلى أسس كبرى متشابهة جداً…». وفي ص24 من المقدمة تجد: «المنظومية في تعريف السفسطة باعتبارها «لا تأخذ الظاهرة ككل بل تأخذها مِن طَرفٍ وحيد فتفككها وتهدم وحدتها…» وأنّ «التفكير السليم هو الذي يعتبر جميع الاحتمالات أي الذي يأخذ الظاهرة أو القضية بكليتِها ووحدتِها».» [لاحظْ معي التمييز الاحترافي بين هاتين المفردتَين: الظاهرة/ أنطولوجيا، والقضية/ ابستمولوجيا، م. ن]. وهَذا تأكيد إضافي على تمازج وتواشج بل والتحام الأنطولوجيا عندنا مع الغنوسيولوجيا/ الابستمولوجيا/ نظرية المعرفة، بشكل ديمومي مستمر منذ البدايات وحديثاً أيضاً، وأن المعالجة المنطقية ـ على مثال تحليل السفْسطة ـ تتوسَّط «العقْدَين» أو الاستقطابَين أو النقيضَين معاً، وكما نلاحظ توثيقاً فإن التدقيق الاصطلاحي المفهومي بين المفردتين المذكورتين الموجودتين بين قوسَين قائم ووارد في أصل الكتاب أي منذ منتصف الستينيّات.

وفي ص24 ذاتِها أيضاً تأمين مَخْرَج وحلّ لكثير من السفسطات والألعاب العقلية الشكلية، اِقرأْ معي تقييم الحَلّ في كتاب الستينيات: «إن معالجة بعض هذه السفسسطات  بعقل رياضي ديمقراطي هادئ يقود المؤلف الفتى إلى نتيجة غير تقليدية للخروج من أَسْر هذه الألعاب العقلية والمخادعات والمفارَقات ـ الإعجازات (البارادوكْسات ـ ج. Paradox) بالاحتكام إلى معايير الواقع وليس العقل وحده… وهذا يُشبه في علم المنظومات المعاصِر (السيستيمولوجياSystemology) مبدأَ التحقُّق أو الانْوجادية للخَلاص مِن لعنة المعايير المتعددة والمعايير المجرَّدة غير التطبيقية ولا العمَلِية.».

وستجد في ص27 من المقدمة أيضاً: «ثمةَ تصوُّر متقدم للنسبية بمعنىً مركَّب ومتداخل من منظور كمّي ـ كيفي وليس كميّاً مبسّطاً فقط… وقد سنَحت لي الفرصة لاحقاً بالاطلاع على أعمال اينشتين الأصلية… ذاتها كمجموعة وتصفُّحِها، وكذلك على كتاب تأسيسي أصلي له تُرجِم لاحقاً وحديثاً إلى العربية فلم أجد هذا المنظور الغنيّ المتشعِّب والمركَّب الكلّي الإجمالي لمبدأ النسبية….».

تابعْ معي في ص28: ««ومبدأ النسبية» بالذات هو الذي يُقدَّم هنا برؤية علمية ـ فلسفية شاملة ومتطورة غير تقليدية، بل كلّية تركيبية…».

وثمة تعبير آخر عن وحدة الأنطولوجيا بالابستمولوجيا وتداخلهما وتفاعلهما على مثال مبدأ النِسبية، تابع ص29: «مما يلفت الانتباه في نص هذا الكتاب الأصلي أيضاً التفريق بدقة ووضوح بين ظاهرة النسبية (مبدئِها…) ونظرية النسبية على مستوى مفهومي اصطلاحي ناضج….»؛ نعم هذا يثير اهتمامَك وذاكرتك للربْط بين مفردتين واردتَين منذ قليل ـ الظاهرة والقضية ـ كمفهومين أحدهما أنطولوجي (الأولى) والآخر ابستمولوجي (الثانية ـ القضية).

وفي ص29 ذاتِها إشارة إلى مسألة هامة عند التمعُّن والتبصُّر فيها لأنها على صلة بوحدة الوجود التي غالباً ما اعتبرَها المعتبرون أساسَ ومنْطَلَق وحدِة المعرفة ووحدةِ العلوم، وبالتالي القاعدة والركن لظاهرة وتوجُّهات تكامل العلوم وتفاعُلها وتداخلُها وتركبُّيتها وبين وتعدُّدية تخصُّصاتِها، فتأكيد مبدأ وحدة الوجود هو بهذه المنظورات الجانب الخفِيّ الكامن من تأكيد وحدة هذه المعارف والعلوم والاختصاصات؛ أمَّا حين تجد تطويراً حتى لرؤية مبدأ وحدة الوجود ذاتِه فأنت إذن تضع يَدك منذ البداية وتأسيسيّاً وبادئَ ذي بدْء على آفاق كبرى ولا نهائية وغير تقليدية منْفتحة على مستقبل بلا حدود لتكامُل وتركّب وتفاعل المعارف فالعلوم والاختصاصات كمبدأ، اِقرأْ معي معالِم هذا المنظور لمبدأ وحدة الوجود الذي يبقى غافياً أو مغْفَلاً في غالبية الحالات وأعظميتها الساحقة ـ أعني الوحدة الزمنية اللانهائية لوحدة الوجود (ليس مكانياً فقط) مما يبقى وكأنَّه مُرجَأ أو موضوع على الرفّ: «ويُطوَّر المبدأ أكثر فيذكر المؤلِف الفَتِيّ أنَّ «وحدة الوجود ليست فقط وحدة في المكان بل وحدةً في الزمان أيضاً»، وبالحديث عن «الكون في وحدته المكانية والزمانية».»؛ وأُضيف الآن أنَّ هذا لم يكن ممكن الحصول بهذه السهولة والبساطة وبهذا الوضوح لولا تشرُّب أفكار «الزمكان» في النسبية ـ من جهة، والديالكتيك ووحدة الأضداد والمكان والزمان والمطلق والنسبي…إلخ في الديالكتيك ذاتِه أيضاً ومعاً، وفي سن مبكّرة جداً من مرحلة الاطلاع والقراءات والتكوين الأساس الأصلي لتتفاعل وتتبلور كقضية سهلة ومسلمة بديهية في الرؤية والمنظور.

وأنتقل إلى قراءة أخرى لِهذا الكتاب الفتِيّ/ طليعياً وريادياً/ مِن تقييمٍ منشور على الشبكة الدولية (الإنترنيت) يحمل اسم حواس محمود بتاريخ 18/3/2009، هنا بعض المُقتطفات:([2])

… «نجد في الكتاب وفي مكان آخر تعريفاً بالفكر المنظومي والمبدأ المنظومي الأساس بتوضيح العلاقة بين الجزء والكل ومِن منظور كهذا صياغة مبدأ «جملة الكمّ» أوْ وحدة الوجود باعتبار ذلك ليس فقط وحدة في المكان بل وحدة في الزمان، وتأثير ذلك كله على المعرفة (النسبية والمطلقة)…».

إن العامل (أو العنصر أو المؤثِّر) البشري هو مكوِّن تكاملي تركيبي في كثير من المجالات العلمية والاختصاصية والتطبيقية أيضاً وقد رصدْنا ذلك جيداً مبكّراً، كما حدَّدْنا مشكلات الإنسان بطابِعها التركّبي التكاملي المعقَّد أيضاً مما أوضحناه سابقاً، وكان هذا كله مِن أهمّ المؤثِرات التي قادت في النهاية إلى تبنّي وإعلان التنمية البشرية/ الإنسانية ـ (الجديدة نوعياً ضمن مفاهيم وأدبيات التنمية) ـ دولياً أو عالمياً مباشرةً ودفعةً واحدة في ما يشبه الطفرَة عام 1990 فجأةً، ولكنْ انتبهْ معي حتى إلى أفكار أكثر تطوراً وأسبقيةً وشمولاً وسعةَ أفقٍ من ذلك كله الذي حدث نهاية القرن العشرين، حين تمكَّنتْ الأريحية والهدوءُ النافذ مبكراً منَ الحديث عن ما يُشبه «التنمية البشرية/ الإنسانية المستدامة» منذ منتصف الستينيَّات، وما ذلك إلا بسبب تخمُّر منهجيات وحدة الواقع ووحدة الفكر وتفاعلهما وتداخلهما تطورياً والوحدة النسبية والجدلية بين المكان والزمان أيضاً، في منطلقات علمية وفلسفية، منْهجية ورؤيوية لهذه المسائل، ويُلاحَظ التقاط هذه اللحظات الهامة واختيارها والتركيز عليها، ممّا يعني وجود اهتمام موضوعي بها وبخصوصيّاتِها وتميّزاتِها منَ المقتطفات والمنتخبات الحرة التي اختارها «حواس محمود» في قراءتِه، تابع معي:

«وفيما يتعلق بمفهوم التنمية البشرية/ الإنسانية يمكن القول بأنه مفهوم حديث نسبياً يقلّ عمره المعلن عن عشرين سنة منذ صدور التقرير الدولي الأول للتنمية البشرية عام 1990 وكذلك الحال مع مفهوم التنمية المستدَامة التي تهتم بالأجيال القادمة اللاحقة وليس الحالية فقط يقول المؤلف: «إذاً.. إن الخير هو ما ينفع الشخص بشرط ألاّ يضرّ شخصاً آخر منطلِقين في ذلك من الناس جميعاً… وهو لا يقتصر على الناس جميعاً في زمن معين بل يضم الماضي والحاضر والمستقبل أي يضم الإنسانية جمعاء مع تدخل عامل الزمن… وهذا يعني أخذ التقدم بالاعتبار وتوفير إمكانيات السعادة للأجيال القادمة» ص126 ـ 127.» انتهى: لاحظْ مَعي هذه الحَرْفية الموَّثقة كيف تنطبق لفظياً وتعبيرياً مع أسلوب ومفردات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتقاريره كلِها دولياً على مدى عقود في التنمية البشرية/ الإنسانية، حين تتحدث عن الاستدامة بلغة الأجيال القادمة كما هو الحال لدينا تماماً منذ قرابة نصف قرن وبالحَرْفيّة ذاتِها.

تريد تفسير ذلك علْمياً؟ ـ ليست المسألة هنا لا في اقتباس ولا في تناصّ ولا في ما شابَه ذلك، بل الأصح أنني كنتُ قد أمسكْتُ قرنَي «الثور» الذي يسند الأرض (كوكب الأرض أو الكرة الأرضية) منذ ذلك الزمن، بمعنى أنني نتيجةَ اطِلاعي الواسع والمعمَّق والمبكِّر على أهم إنجازات البشرية معرفياً وعلْمياً وفكرياً ـ فلسفياً في صيغتِها المتقدمة الضاربة والطليعية في وحدتِها ومركَّبِها وتكاملِها وفي لحظاتِها الأهم آنذاك، كنتُ بالتالي قادراً على الاستشفاف والاستشراف والتنبؤ الدقيق السبَّاق بمسار الأمور وتوجّهاتِها ومآلاتِها الأكيدة الغافية الكامنة، في تعميم واستنطاق أهم وأعم المنجَزات نوعياً ومبكراً، مما يحتاج في الحالات التقليدية والطرق والمنهجيات الكلاسيكية إلى زمنٍ أطول وجهود أكبر ومساعٍ مُجاهِدة صعبة للتركيز، والتمركز لجمع شتات ومبعثرات الحقائق الكامنة الغافية وكشف واستنطاق مصائرها الأكيدة: هذا هو تفسيري المتواضِع بتواضُع.

***

([1])الكتاب هو: أفكار متواضعة؛ دمشق، 2004، وموجود في المكتبة الوطنية وفي كثير من مكتبات المراكز الثقافية.. منشور كما هو في صيغة منتصف الستينيَّات الأولى بلا تبديل أوْ تدخّل.

([2])أفكار متواضعة/ مراهق لا يتجاوز الـ 16 سنة يؤلف كتاباً فكْرياً ـ … عرض: حواس محمود.http://www.alnoor.se/article….

د. معن النقري