مساحة حرة

بين نوبتي زهايمر

 ناظم عيد

لم تعد “ترنيمات” الكرسي الهزاز ذات البريق الذي واكب ذاكرتنا الشعبية وتواتر مع قصص التراث، بعد أن باغتتنا “تهويمات” وهذيانات الرجل الهزاز، التي تلفح المنطقة مع كل هبّة لرياح الخماسين، بجملة ما تحمل من روائح البترول العطن، والغاز العفن، وتجشّؤات مأفون ما زالت حقائق علّته مدفونة مع جملة أسرار آل سعود.

ولا نخفي أن نوبات تردد قاسية تأبى إلّا أن تعترينا، بين “الشماتة” والشفقة على من بات حجره واجباً، وتحييده من أمام عدسات الكاميرات حكمةً، مادامت احتمالات التعثر قائمة مع كل انزياحة عكاز على مسارح البروتوكول، ونعلم أن “تعثّر المسؤول هو نكسة عقال للرعية في مضارب رعاة الإبل” خصوصاً في طقوس الاحتفاء بالزائر الأميركي، لا سيما إذا كان الضيف هو كيري والحفلة حفلة ترتيب مكيدة جديدة لأحد ما، والموضوع الساخن طبعاً هو المسألة السورية في هذه الأيام.

نحار أن نغضب أم نفرح، ونحن نتابع سرديات ساخرة لمسؤول أميركي يسأل عمّن يمكن الحديث معه في بلد كالسعودية انحدر شاغلو مقصورة القيادة فيه، مع منزلق غياب عن الوعي لا تقطع سلسلته إلّا خبرات طبية نادرة، تكفّلت باستقدامها  “أطنان الذهب” وغالباً ما يكون هكذا “فاصل قصير” من مقتضيات ظهور إعلامي، لالتقاط صور الدلالة على البقاء، وتكون بعده العودة إلى غرف العناية الفائقة… نحار فعلاً بين التعاطف مع شعب يرزح تحت وطأة عصابة لا تصحو إلّا بقوة العقاقير المنشطة، وبين الاسترخاء لعلامات انكفاء لصوص بقوة الأقدار وليس بإملاءات الصحوة الديمقراطية.؟

من كل تلك المقدمات على العالم ألا يسترخي لنتائج جنيف2، بعد أن بات واضحاً أن جزءاً غير قليل من الطبخة قد أُعد في مطابخ موبوءة بأشكال “الشيزوفرينيا والبارانويا” وعلامات الوهن والضياع النفسي والمعنوي. على العالم أجمع أن يتوجس فعلاً، ويسعى، فيما بقي من وقت قليل، لاستدراك مؤتمر يجب أن يكون لمكافحة ومواجهة الإرهاب وطبّاخيه وموزّعيه، تتوعده “لغبصات” قذرة بذات أيدي الزهايمر المرتعشة..

في ذات المطبخ وبذات الأدوات، تُطهى مؤامرات الإلغاء، ووجبات القتل والتدمير وسفك الدماء، إلى جانب ” تابلوهات” السلام المنشود..!! أي كذبةٍ هذه لنصدّقها، ويقتنع بها العالم المحتفي بجنيف2 المؤتمر الذي كاد أن يُفهم على أنه كرنفال الإعداد للانقضاض على كل إرهابيي الدنيا وداعميهم ومحتضنيهم..؟

لا بأس في أن يكون ممثلو عصابة آل سعود على طاولات جنيف، إن كان فعلاً ثمة نيّات صادقة لمناهضة الإرهاب قولاً وفعلاً، فحضور المجرم لجلسات المحاكمة والتقاضي ضروري، للاستجواب أولاً، ثم لسماع خلاصات النطق بالحكم ثانياً، لأن الأحكام الوجاهية أكثر بلاغةً من غيرها الغيابية، عندما يكون المرتكب متوارياً عن الأنظار.

لكننا نحن وكل مراقب نزيه، لا نملك إلّا أن نُشرع أبواب القلق على الخلاصات المنتظرة من المؤتمر العتيد، ونبني قراءاتنا الحذرة هذه على المقدمات الكئيبة التي تم تدبيجها في قصور الرياض، وإن كانت ملكات الكتابة والقراءة مأزومة هناك، فالأمريكي لا تنقصه البراعة.

رغم ذلك لم نسقط شرط التفاؤل بدليل أننا ذاهبون إلى حيث نرجو خيراً، وتبقى العبرة دوماً في النتائج.

البعث