مساحة حرة

تحرير سلمى والبعد الاستراتيجي لما بعدها

نستطيع توصيف معركة تحرير سلمى على أنها أم المعارك وأصعبها  على الإطلاق، حيث جرى الاشتباك على ساحة متنوعة  في طبيعتها، وتضاريسها  متنوعة ما بين الجبلية والغابات والمدن بآنٍ معاً، وهذا يتطلب خبرة وتقنية متميزة في حرب الغابات وحرب الكهوف والجبال وحرب الشوارع داخل المدن، وقد أظهر ابطال الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني فنية عالية وحنكة فريدة في ترويض المعركة لصالحهم خلال وقت محسوب بدقة ومبني على معلومات وخرائط دقيقة كانت نتيجتها تحرير مدينة سلمى الجبلية التي ترتفع 800 م عن سطح البحر في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، وكانت تُعد المعقل الأهم للعديد من التنظيمات الإرهابية المتنوعة الجنسية ومتباينة الارتباط، وبالتالي يُعد تحريرمدينة سلمى هزيمة كبيرة لمشروع تركي – سعودي – قطري مشترك كان يستهدف حصار المنطقة الساحلية برمتها وصولاً إلى البحر، لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية كبيرة ولطبيعة التداخل والتنوع الديمغرافي والجيولوجي فيها وأثر ذلك في الحرب الدائرة على الأراضي السورية في كافة المناطق .

ومن خلال اتباع خطة القضم الجزئي في المعركة تمكن بواسل الجيش العربي السوري وحلفائهم من تحقيق تقدم هادئ ومركز على محاور ثلاث وتأمين الحماية العالية للقوات المهاجمة التي أنهت المهمة ضمن وقت قياسي وبأقل الخسائر ورفعت العلم الوطني في ساحات سلمى المحررة .

على الرغم من أهمية تحرير مدينة سلمىى الذي يُعد انجازا عظيما للجيش العربي السوري وحلفائه، لكنه ليس إلا استمراراً لمعركة أساسية متواصلة باتجاه مدينة ربيعة المعقل الأخير للإرهابيين في ريف اللاذقية، سيما و أن الجيش العربي السوري يفرض عليها حالة من الحصار الخانق من أغلب الجهات، كما تأتي تلك الانتصارات متواقتة مع انتصارات مماثلة على كافة الجبهات الخرى، حيث سبقها تحرير مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا وكانت مقرا لأخطر غرف العمليات التي يُديرها خبراء من دول عديدة معادية لسورية وعلى رأسها الكيان الصهيوني، وكان قبلها فك الحصار عن مطار كويرس في الريف الجنوبي لمدينة حلب وتامينه على مساحات واسعة، كما يُتابع الجيش العربي السوري انجازاته اليومية في الريف الغربي لحلب باتجاه خان العسل، وفي مناطق عديدة أخرى .

المعركة القادمة وفق تقدير المتابعين والمحللين الاستراتيجيين التي يتم التحضير لها بدقة عالية ستكون معركة الغاب باتجاه جسر الشغور وادلب وصولاً إلى مدينة الباب على الحدود التركية من أجل تأمين الحدود الشمالية مع تركيا بالكامل وقطع كافة طرق امداد الإرهابيين من تركيا وعبرها، وهي معركة الفصل التي ستقص ظهر المتامرين على سورية وعلى رأسهم العثماني أردوغان .

مع تقدم الجيش العربي السوري على كافة الجبهات، استمرت الحكومة السورية في العمل على الجبهة السياسية والاقتصادية بالتعاون مع الحلفاء من اجل تحقيق خطوات فعلية وجدية على مسار الحل السياسي وتأمين متطلبات الصمود الشعبي، حيث أكدت في اكثر من موقع على تمسكها بالحل السياسي، واستعدادها التام للتعاون مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول الفاعلة على الساحة الدولية، من أجل الوصول إلى حل موضوعي للأزمة في سورية يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة وتشريعاتها المعنية في ازمات الدول، وهي التزمت بتقديم كل امكانياتها في سبيل ايجاد حل عادل للأزمة السورية عبر محورين أساسيين هما :

  • محور مكافحة الارهاب والقضاء عليه بكل أشكاله وانواعه وهو محور أساسي وشرط لازم، حتى سيادة الدولة السورية وجيشها الوطني على كامل التراب السوري .
  • محور الحل السياسي والتفاوض السوري – السوري الذي يُلبي تطلعات وطموحات الشعب السوري بانتاج نظام سياسي واقتصادي واجتماعي عادل ترضى به الأغلبية الواسعة من الشعب السوري على أن ينسجم بهيكليته وتشريعاته مع أفضل الأنظمة التقدمية في العالم، دون القبول بأية ضغوط خارجية أو إملاءات من أحد من كان يكن .

في النتيجة إن المجتمع السوري بكل أطيافه ومختلف مناطقه يضع ثقته غير المحدودة في جيشه الوطني الباسل وقيادته الشجاعة التي تحملت عبء المواجهة بكل تبعاتها ومصاعبها، وتمكنت من الصمود بقوة وصبر في وجه أشرس حرب عرفتها البشرية لمدة تقارب الخمس سنوات متواصلة، استخدمت فيها جميع الوسائل المتاحة والأسلحة بما فيها الكيماوية من قبل الإرهابيين وداعميهم، واستطاعت سورية خلالها الثبات على مواقفها والتمسك بحقوقها الوطنية المشروعة وذلك بمساعدة حلفائها الأوفياء وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية والصين والجمهورية الإسلامية الإيرانية وغيرهم من الدول الهامة في العالم، وسيكون لانتصار سورية القادم بحتمية المنطق وعدالة التاريخ، أثر واضح وأساسي في بناء هيكلية وطبيعة النظام الدولي لعقود عديدة من الزمن القادم .

 

محمد عبد الكريم مصطفى