اخترنا لكالشريط الاخباري

تحطيم الأصنام: التراث السوري تحت خطر من المتطرفين

تتعرض الكنوز الأثرية السورية لتهديد كبير من الأصوليين الإسلاميين، ومن لصوص الآثار الذين وجدوا في فوضى الحرب فرصة كبيرة لسرقة وتهريب تراث سورية الغني للخارج.

بدأت المجموعات الأصولية في سورية بتدمير التراث الثقافي السوري، البيزنطي والمسيحي والإسلامي، مثل الفسيسفاء البيزنطية والثماثيل اليونانية والرومانية، لأنها تمثل صوراً بشرية تتناقض مع معتقداتهم الدينية. إن التدمير المنظم للآثار السورية أسوأ كارثة منذ أن قامت حركة طالبان بتفجير تماثيل بوذا في أفغانستان في وادي باميان بالديناميت، عام 2001، لنفس الأسباب. وقد قامت حركة داعش التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تسيطر على مدينة الرقة شمال شرقي سورية، في منتصف شهر كانون الثاني الماضي، بتفجير فسيفساء بيزنطية تعود للقرن السادس الميلادي، وقال رئيس دائرة الآثار في الرقة، والذي هرب منها لدمشق ولا يريد الاعلان عن اسمه :”حدث التفجير قبل 12- 15 يوماً عندما حضر رجل أعمال تركي للرقة لشراء لوحة فسيفسائية، ما أثار انتباههم لوجودها، فحضروا وفجروها، ودمرت بالكامل.

وقد دمرت المجموعات الجهادية مواقع أخرى كموقع شاش حمدان، وهو مقبرة رومانية قرب مدينة حلب، وتمثال في وادي القطارة، حيث تم التصويب عليه، وتهشيمه إلى قطع. وقال الأستاذ مأمون عبد الكريم مدير دائرة الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة السورية، والخبير في المرحلة الرومانية، والفترة الأولى من المسيحية في سورية :”إن موقف الجهاديين والإسلاميين المتطرفين من التماثيل يعرض الكثير من الآثار السورية للخطر. وفي حال استمرار الحرب، فأنا متأكد أنه سيتم تدمير كل الصلبان التي تعود إلى الفترة المسيحية الأولى، والفسيفساء، وكل الرموز الميثولوجية، وآلاف التماثيل التي تعود للعصر الإغريقي والروماني. وأضاف :”بالنسبة لفسيفساء الرقة، التي اكتشفت عام 2007، فهي مهمة جداً لأنها لم تتعرض للضرر، وتعود للفترة البيزنطية وتستخدم الأساليب الرومانية”.

تحتوي سورية على مواقع أثرية حية، وتماثيل قديمة، أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وتعود جميعها للعصور القديمة، بدءاً من الجامع الأموي في دمشق إلى آثار إيبلا في منطقة إدلب شمال غرب سورية، والتي تعود للعصر البرونزي، وهي الحضارة التي ازدهرت في الألفية الثانية قبل الميلاد، وفيها اكتشفت 20 ألف لوحة مسمارية. ويوجد في شرق سورية ومناطق أعالي الفرات بقايا دورا أوربوس، قرب صالحية الفرات، وهي مدينة تعود للعصر الهلنستي، وتعرف بــ “بومباي الصحراء السورية”، حيث عثر على بقايا كنيس يهودي. وليس بعيداً عن الحدود مع العراق، هناك بقايا ماري، أو تل الحريري اليوم، والتي تحتوي على قصر يعود للألفية الثالثة قبل الميلاد.

يقع الكثير من المناطق الأثرية المهمة في سورية تحت سيطرة الجهاديين، لذلك فهي عرضة للخطر، ومن يقوم بالتدمير ليس “داعش” فقط، بل جبهة النصرة، وبقية الجماعات المتطرفة التي لا تختلف عنهما. وقد تركت الحرب أضراراً بالغة على مدينة حلب وتراثها الحضاري العريق، خاصة مئذنة الجامع الأموي التي دمرت إلى جانب السوق القديم الذي يعود للقرن السادس عشر، حيث طالت الحرائق فيه 1.000 دكان. كذلك عانت حمص القديمة من أضرار كبيرة، ولا تزال معظم آثارها تحت سيطرة المقاتلين الجهاديين، مثل قلعة الحصن التاريخية التي تعود للعصور الصليبية، وقد تم تحويل الكنيسة المعروفة باسم كنيسة القديس سمعان إلى مركز لتدريب المقاتلين.

يقول الموظفون في المتاحف إنهم شاهدوا ما حدث في العراق بعد الغزو عام 2003، وقاموا بنقل المقتنيات عبر حركة سريعة، إذ تم نقل مقتنيات المتاحف السورية بشكل عام لأماكن آمنة لتأمينها.

“إضافة إلى ما قامت به الجماعات الجهادية في سورية من تدمير وحرق للتراث الحضاري السوري”، يضيف الأستاذ مأمون عبد الكريم :”جاءت عمليات السرقة والنهب أحياناً من السكان المحليين الباحثين عن الثروة، وأكثر الأحيان من مافيا من تركيا والعراق ولبنان، ومئات الأشخاص، من كل الألوان والدول، الذين يبحثون في المدن المعروفة بـ “المدن الميتة” في منطقة إدلب شمال سورية، والتي تعتبر من أكثر المناطق ثراء، وتم تركها قبل ألف عام. وفي بعض الأحيان، تم مسح السجل الأثري من خلال استخدام الجرافات، وقتل عدد من الباحثين عن الكنوز أثناء محاولتهم الحفر في إحدى مغاور إيبلا، حيث انهار سقفها فقاموا بجلب خبراء في الآثار كي يقدموا لهم النصح حول كيفية الحفر، أو طريقة التنقيب، بطريقة جيدة.

وأكد تقرير رسمي صادر عن مديرية الآثار والمتاحف إنه، بعد قيام فصائل المسلحين بالسيطرة على تل الحريري، أصبح وضع الآثار في سورية سيئاً، فقد ركز الجهاديون والمهربون وعصابات النهب على “القصر الملكي”، والبوابة الجنوبية، والحمامات العامة، ومعبد عشتار، ومعبد إلهة الربيع.

وعليه، فالإستهداف المبرمج من “داعش” والجماعات المتطرفة للمعالم الأثرية باعتبارها تخالف الدين، قد تؤدي لتسريع عمليات تدمير التراث السوري، والمعالم التراثية التي عاشت ونجت من حروب ومجاعات، ومن قساوة الطبيعة، لأكثر من 5000 عام، قد تصبح في وقت قريب أنقاضاً وركاماً في ظل استمرار الصراع في سورية.

المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي