اخترنا لكالشريط الاخباريسلايد

تركيا… الإمبراطور الخفي (1)

الإمبراطور الخفي وحقيقة الصراع على السلطنة

الداعية الإسلامي فتح الله غولان، اسم برز في هذه الفترة للإعلام العربي والدولي، مع احتدام صراع القوى الدائر حالياً في تركيا بين حلفاء الأمس حكومة رجب طيب أردوغان، وتنظيم الجماعة. من المعروف بأن تركيا بلد تحكم عن بُعد، وإن كان القادة أمثال مصطفى كمال أتاتورك، نجم الدين أربكان وعبد الله أوجلان، معروفون، فإن غولان، ودوره ووزنه وتأثيره في السلطة والسياسة التركيّة، ليس معروفاً لدى الكثيرين في العالم العربي.

من هو غولان؟

 داعية إسلامي، ولد في 27/04/1941 في قرية “كورويجيك” التابعة لبلدة “حسن قلعة” بمحافظة أرضروم، جنوب شرق تركيا. نشأ وسط عائلة متديّنة. حفظ القرآن ودرس العلوم الدينيّة في فترتي الطفولة والصبا. أثناءها، تعرّف على “رسائل النور” التي ألّفها المصلح الديني، سعيد الكردي – بديع الزمان النورسي (1877 – 1960) وتأثّر بها. في العشرين من عمره، عيّن إماماً لإحدى جوامع مدينة أدرنة. بدأ العمل الدعوي في جامع “كستانه بازاري” بمحافظة إزمير، مطلع الستينات (بعد وفاة النورسي). وطاف الأناضول واعظاً.

غولان اقتبس الكثير من أفكار النورسي ونسبها لنفسه، وأسقطها على الواقع التركي والإسلامي، وافتتح المدارس والمعاهد والجامعات الدينيّة في تركيا، المغرب، مصر، العراق، جمهوريات آسيا الوسطى، البلقان، القوقاز، اندونيسيا، أوغندا، كينيا،..وغيرها، ومازال مستمرا في ذات النهج حتى أصبح يمتلك اليوم أكثر من 1000 مدرسة خاصّة أو كما تسمى في تركيا مدارس التحضير لدخول الجامعة، وعدد من الجامعات، ومئات المدن الجامعيّة، وبيوت الطلبة. ويمتلك إمبراطورية إعلامية  لا مثيل لها في العالم تضمّ صحف ـ ومجلات ـ ومحطات إذاعيّة ـ وفضائيّات ثقافيّة ـ إخباريّة ـ اجتماعيّة تبث بعدّة لغات، إلى جانب مؤسسات العلاج والمشافي الصحّية، وعدد من أكبر دور النشر في تركيا وخارجها، وجمعيّات ومنتديّات رجال الأعمال. وعشرات المواقع الإلكترونيّة، تنشر مقالاته ومؤلفاته وأخباره بـ22 لغة. اللافت أنه لا توجد حتّى الآن تقارير واضحة وشفافة تفيد بمصادر ثروة غولان!؟. إلاّ أنه احتلّ المرتبة الأولى في قائمة أهم مائة عالم في الاستطلاع الذي أجرته مجلتي “فورين بوليسي” و”بروسبيكت” البريطانية سنة 2008.

أطلق غولان على إمبراطوريته الواسعة جداً اسم ” حركة الخدمة “، ولكنها معروفة في الشارع التركي بتنظيم الجماعة وهو الاسم الأكثر تداولاً بين أبناء المجتمع التركي. الجدير بالذكر أن المؤسسات التابعة للداعية فتح الله غولان تعتبر الركيزة والداعم الأبرز لحزب العدالة والتنمية الحاكم حالياً في تركيا.

الاتجاه الفعلي نحو السياسة

البداية الفعلية لنشاط غولان السياسي بدأت عام 1990، حيث بدأ غولان يقدّم نفسه كصاحب مشروع الإسلام المعتدل والمنفتح على الحوار مع الأديان الأخرى. وتكلل هذا المسعى بدعوة بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولوس الثاني لغولان واللقاء به.

فرار  غولان

هرب غولان من تركيا عام 1999 ولم يتجه إلى أي بلد إسلامي آخر، واستقرّ في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي 14/06/2012 وجّه رئيس الوزراء التركي إليه دعوة “لإنهاء الغربة” والعودة إلى الوطن. إلاّ أنه رفضها بحجّة؛ أن الدعوة يجب ان تكون من الجماهير. وان الظروف في تركيا، ما زالت غير مواتية”.

 غولان وأربكان

 في بداياته، كان غولان، يتفادى الخوض في السياسة. وكان يمهّد لخلق حالة منافسة غير معلنة بينه وبين نجم الدين اربكان، بشكل هادئ ومستتر ومنذ منتصف التسعينات، بدأ يعلن اختلافاته مع اربكان، ويمكن تلخيصها في عدد من المحاور:

 1ــ اربكان ينظر إلى أمريكا والغرب نظرة عدائيّة، وان اللوبي اليهودي هو المتحكّم في القرار الامريكي. بينما يرى غولان أن أمريكا والغرب قوى كبرى، لابدّ من التعاون معها. أمّا أربكان وحزبه فينظرون الى غولان، وحزب العدالة والتنمية المنشق عنهم على أنهم نموذج “الإسلام المُتأمرك” الذي يناسب مصالح أمريكا.

 2ــ غولان أكثر تعصباً لقوميته العثمانية من اربكان الذي كان يعتبر وحدة العالم الإسلامي ضرورة ملحّة، واسس في هذا السياق “مجموعة الثمانية الإسلامية”. بينما غولان، فينظر إلى العالم العربي وإيران ومنطقة القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان هي المجال الحيوي لتركيا. وإذا كان لتركيا العودة لمكانتها كأهم دول المنطقة والعالم، كما في الحقبة العثمانيّة، لا مناص من نفوذ قوي لها وسط الأتراك في كل مكان. وهذا ما يمثّله وزير الخارجيّة التركي أحمد داوود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي” ودعوته إلى “العثمنة الجديدة”.

 وتأكيداً على طرحه لنفسه بديلاً عن أربكان، وازدياد النزوع السياسي لدى غولان، سارع الأخير الى احتضان وتأييد انشقاق اردوغان وغل عن حزب اربكان، وتشكيلهما للعدالة والتنمية، ودعمهم في انتخابات 2002، 2007، 2011. وكان غولان عرّاب العدالة والتنمية لدى الغرب وأمريكا، تحقيقاً لطموحه السياسي، بإزاحة اربكان عن صدارة قيادة الإسلام السياسي التركي، وقبله، التعمية على النورسي في قيادة فكر الإصلاح الديني والإسلام الاجتماعي!.

 تنظيم «الجماعة».. حركة مناهضة للعلمانيّة

 تناولت منابر إعلاميّة غربية عدّة تجربة غولان، كزعيم حركة اجتماعيّة إسلاميّة قوميّة لا تعادي الغرب، وأنه “وجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط”. بينما يرى معارضوه أنه الخطر الحقيقي والبطيء على العلمانيّة. وأكّد ذلك، نشره شريط فيديو على موقع “يوتيوب”، قال فيه لعدد من أنصاره؛ “أنه سيتحرّك ببطء من اجل تغيير طبيعة النظام التركي إلى نظام إسلامي”، ما خلق موجة غضب في الجيش وباقي المؤسسات العلمانيّة. فأصدرت هيئة التعليم العالي قراراً بعدم الاعتراف بالشهادات العلميّة التي تمنحها مدارس غولان للطلبة. ولكن هذا القرار ألغي لاحقاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.

 بدء الخلافات مع اردوغان

 حزب العدالة والتنمية، هو أقرب الى كونه عقد شراكة بين تيّارات إسلاميّة وقوميّة محافظة، من كونه حزب متجانس، محكوم بوحدة المصالح والآيديولوجيا. فيوجد ضمنه: جناح غولان، (وهو الأقوى)، والجناح المنشق من حزب الفضيلة (جماعة اربكان)، ومجموعة منشقّة من حزب الله التركي، وبعض القوميين المحافظين، اتوا من يمين الوسط (حزب الطريق القويم) ومن اليمين المتطرّف (حزب الحركة القوميّة)، بالاضافة الى بعض الشخصيات المحسوبة على الدولة، ونجدهم في كل الاحزاب كـ”جميل تشيتشك وعبدالقادر آكسو). بدأ غولان وأردوغان بالصراع مع بعضهما البعض، بعد أن خلت الساحة لهم، وبعد أن نجحوا في تصفية خصومهم التقليديين “الدولة العميقة” والأحزاب العلمانية.

 وعلى خلفيّة تقاسم “الغنائم” (مؤسسات الدولة) يتزايد حاليّاً الخلاف بين غولان وأردوغان، بخاصّة على المؤسسة الأمنيّة التي تريد جماعة غولان السيطرة عليها. ومن غير المعروف ان كان الخلاف بين أردوغان وغولان سيزداد أم سيُصار إلى رأبه بخاصّة أن تركيا مقبلة على انتخابات محليّة وبرلمانيّة ورئاسيّة، يعلّق عليها أردوغان آمال كثيرة؟

 خلافات حكومة أردوغان وجماعة فتح الله غولان، وإن كانت تعود إلى عام 2010 على إثر تباين مواقفهم تجاه حادثة سفينة مرمرة، إلا أن ظهورها بهذا الشكل العلني المكشوف بدأ بعد أن تمكن أردوغان من تحييد المؤسسة العسكرية التركية التي ظلت تاريخيًّا الحامية للدستور العلماني للدولة والرادع للأحزاب الدينية. وهو أمر لم يكن ليحدث من دون مساعدة فتح الله غولان وجماعته. كما أن جماعة غولان لم تدعم سياسات أردوغان، أثناء حركة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها تركيا، بل ووصل بها الأمر إلى حد إنتقادها علانية أمام الإعلام.

 الإمبراطور الخفي

كل التغييرات التي كانت تجري في تركيا خلال عقد من الزمن، كانت على هوى فتح الله غولان وعبر مؤسساته المتشعّبة في تركيا تحت اسم ” حركة الخدمة” ، الى جانب وزنه وتأثيره على حكومة العدالة والتنمية. فالأخير، يمتلك امبراطوريّة أعلاميّة من صحف وقنوات تلفزة، أبرزها صحيفة “زمان” واسعة الانتشار. وكان الحكومة التركيّة هي العصا الضاربة لجماعة غولان، على شبكات تلفزة علمانيّة تركيّة، عبر إبراز ورقة التهرّب الضريبي في وجهها، ما أجبر بعض أصحابها على بيعها لأشخاص ومؤسسات، إمّا تابعة لغولان او مقرّبة منه. على الصعيد القضائي، الكثير من المراقبين يرون ان محاكمة أذرع الدولة الخفيّة (أرغناكون) و(مخطط انقلاب المطرقة الضخمة) من جنرالات وضبّاط كبار وتجّار وساسة وإعلاميين وقضاة…، هو في الأصل، تصفية حساب، أو انتقام غولان من كل الذين استهدفوه أثناء تواجده في تركيا. ما يعني ان غولان، بعد ان انتزع لقب “خوجة: الأستاذ بالعربيّة” من النورسي وأربكان، هو الآن الإمبراطور الخفي لتركيا منذ استلام حزب العدالة والتنمية للحكم.

البعث ميديا – ترجمة وإعداد- أسامة شحود