مساحة حرة

تركيا.. مسار الفوضى والصراع الداخلي

 لم يأت اعتقال زعماء حزب الشعوب الديمقراطي فجأة، ولم ترتجل حكومة النظام التركي ذلك، فسياق العلاقة بين حزب الشعوب الديمقراطي والعدالة والتنمية يقتضي هذه النتيجة.

فعبارة وزير عدل النظام التركي الذي علق على عملية الاعتقال بالقول: “إن القرار القضائي بتوقيف النواب هو نتيجة طبيعية للمثول أمام القوانين”، تكتمل بإدراج عبارة “القوانين التي تخدم مصالح العدالة والتنمية”، وتثبت الوقائع ذلك من خلال عدة أمور، فمنذ إقرار البرلمان التركي لمشروع رفع الحصانة عن النواب الذين بحقهم مذكرات قضائية، والتي ثبُت بالدليل القاطع طابعها العنصري و الإقصائية و الدكتاتوري، فهي غير ديمقراطية ولا تصالحية مع الأكراد، وفيها تغيير دستوري قد يؤدي إلى القضاء على الوجود الكردي في البرلمان التركي، فتهم الاعتقالات ليست بالهينة فهي تتعلق بدعم الإرهاب والدعاية له، أي أن الدولة التركية تريد أن تنهي الحزب سياسياً بسرعة أكبر من صعوده.

نسبة الـ 10,5% التي نالها حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في الانتخابات الأخيرة، والتي منحته لأول مرة في تاريخه لدخول السلطة التشريعية في البلاد، كانت أولى إشارات الخطر الذي يتحسسه العدالة والتنمية فبقاء الأكراد في البرلمان يعرقل مساعي الحزب الساعي للتغيير الدستوري.

زعيم حزب الشعوب صلاح الدين ديمرطاش صرح عقب فوز حزبه بانتخابات حزيران 2015 مخاطباً رئيس النظام التركي رجب طيب إردوغان: “لن نسمح لك بأن تصبح رئيسا تنفيذياً”، ورفض ديميرطاش التغيير الدستوري الذي يريده إردوغان لنقل كل الصلاحيات إليه، ما فتح صفحة جديدة في علاقة الحزب الكردي مع السلطة في تركيا، وبات صوت السلاح أعلى من صوت النواب الأكراد في البرلمان.

ويعاني العدالة والتنمية اليوم من أزمة مع الحركة القومية بزعامة دولت بهتشلي جراء السلام مع الاكراد ودخولهم البرلمان الذي أخذ من حصة الحزب الحاكم ما يعني أن العدالة والتنمية الساعي لكسب الحركة القومية في معركة تغيير النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي والسبيل إلى ذلك استئصال الأكراد، ويشي بذلك الإحتمال لقاء أردوغان بدولت بهتشلي قبل يوم من شن حملة الاعتقالات التي طالت قيادات حزب الشعوب الديمقراطي.

ورغم قلق الاتحاد الأوروبي من تدابير أنقرة مع نوابها، فذلك لن يقلق أنقرة التي بادرت بانتقاد الموقف الأوروبي واتهمت دولاً فيه بدعم الإرهاب على اعتبار أن العمال الكردستاني تنظيم إرهابي، علما أن هذا التوتر ليس الأول ولا الأكبر بين أنقرة وبروكسل.

وتعلم السلطة في أنقرة جيداً أن إجراءات تعديل الدستور ومنح السلطات للرئيس لن يقبلها الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن مواقف الاتحاد الأوربي من تصرفات نظام أردوغان لن تغير شيئاً في المشهد، ما يعني ان تركيا في طريق العودة إلى الصراعات الداخلية والاضطرابات وبالتالي الاقتصاد المنهك والعنف المتصاعد خاصة والنظام التركي قد فتح باب الاعتقالات واسعً على من عارض سياساته من الأتراك بحجة محاولة الانقلاب الفاشلة، فكل المؤشرات اليوم تنبئ ببدء مسار الفوضى والصراع الداخلي.

البعث ميديا|| بلال ديب