line1مساحة حرة

تفعيل العمل الحزبي.. والمجتمع السياسي

 

لاشك في أن ماتعيشه اليوم المجتمعات العربية مؤلم جداً، وهو يمثّل حالة نكوص وردّة على منجزات حركة التحرر والاستقلال الوطني العربية في منتصف القرن الماضي. وأتى مايسمّى بـ«الربيع العربي» ليكشف هشاشة هذه المجتمعات، وضعف منعَة السياسي، والمدني، والأهلي فيها، أمام التحديات التي تواجهها الأقطار والأمة العربية.

بداية: لا توجد مؤسسة أو حزب ليس بأمسّ الحاجة إلى المراجعة النقدية، أو فوق النقد. وكل من يستعصم عن هذا يقع في الفخ، لأننا نعيش في منطقة طال فيها وازداد أثر تداخل نظرية المؤامرة مع قصور العامل الذاتي، خاصة فيما يتصل باستهداف المشروع الوطني العروبي لاسيما الجانب المقاوم منه. فلا ينتفضنَّ أحد منّا  ويلقي المسؤولية عن كاهله إلى الآخر.

نحن اليوم أحوج مانكون إلى تفعيل العمل الحزبي، وإلى إعادة النظر في ماهيّته، ففي هذا إغناء للمجتمع السياسي وتوطيد لحضور الأحزاب والقوى السياسية في المجتمع الأهلي، فإذا ماحدث صدام مجتمعي وكان حامل هذا الصدام أحزاباً سياسية، فهذا أفضل ألف مرة من أن يكون الحامل مرجعيات مذهبية أو عرقية، لأن هذا يؤدي إلى شروخ وجروح عميقة في المجتمع يسهُل استغلالها وإيقاظها كفتنة من القوى المضادة.

ففي المجتمعات فسيفسائيّة المكوّنات كدول المشرق العربي وسورية تحديداً يكون النزاع الطبقي، أو الحزبي، أهون بكثير من النزاع المجتمعي، بأبعاده الطائفية والعشائرية التي طالما سَهُل وتكرر اختراقها والرهان الخارجي على التدخل من خلالها لاسيما من دول البترودولار كما نرى هذه الأيام.

إن طرح فكرة (مسؤولية الأحزاب الوطنية)، ليس محصوراً بحزب البعث وحده بل بجميع القوى والتيارات الوطنية والتقدمية التي تتعرّض اليوم لهجوم واستهداف مركّب ومركّز يساعد عليه بل يقويّه دخول الامبريالية ومعها الرجعية العربية في الطور الوحشي، وتحقيقها «إنجازات» تدميرية وتخريبية للبنى الفوقية والتحتية «المادية والمعنوية» في المجتمعات العربية. ما أضرّ بهذه الأحزاب والقوى، وبالأوطان والأمة أيضاً. لاسيما أن زمن الصعود المدوّي لليسار العالمي ولّى. فبدل أن نجد اليوم مناضلين أمميين أمثال غيفارا وكارلوس وروزا لوكسمبورغ والمهدي بن بركة صار لدينا  «جهاد» عابر آخر أنموذجه الزرقاوي والجولاني وطالبان وبوكوحرام، مدد الصهيو-وهابية المعولمة.

هذا جميعه يستدعي أن تتضافر جهود الوطنيين كافةً لتوطيد حضور الأحزاب والمجتمع السياسي الوطني، والانطلاق من التسليم بالفرق بين أصالة النظرية السياسية، وبين نقد العمل عليها. فنقد العمل الحزبي لايعني نقد مبادئ الحزب وتاريخه.

في سورية لدينا مجتمع سياسي وطني متجذّر تاريخياً يتعرّض اليوم لمجابهة ولتحديات أثبت خلالها رسوخه. وفي حزب البعث نفخر بشهداء من قيادة الحزب وكوادره وجماهيره بكافة المستويات، «تكثر اليوم متاجرة الأقلام المأجورة بالنقد التاريخي لديناميكية البعث الفكرية والتنظيمية». كما نعتز بدور أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وبأحزاب المعارضة الوطنية، وبالعمل المستمر على توطيد ركائز المجتمع السياسي.

لكن لابد من «تحديث» العمل الحزبي، لإغناء المجتمع السياسي وترسيخه، فاستمرار دور الحزب مضمون بمقدار مواكبته للواقع وتماشيه مع التطورات، كما أوضح الرفيق الأمين القطري للحزب السيد الرئيس بشار الأسد.

ومن ملامح تفعيل العمل الحزبي توطيد الصلة بين عناصر المجتمع السياسي، والمجتمع المدني، والمجتمع الأهلي، لاسيما أننا مررنا بفترة لم نفلح فيها بتطوير المجتمع المدني، أو لم يفلح فيها هذا المجتمع بأخذ دوره الوطني كوسيلة للمشاركة في صنع القرار. ولم نكتفِ بهذا الحد، فحين تم التفكير بتطوير المجتمع الأهلي«الجمعيات بعد عام 2000» اتجه كثير من هذه الجمعيات إلى السفارات ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المشبوهة..؟!.

ولذلك لاحظنا في سورية، وفي عدد من الأقطار العربية، ردة الفعل السريعة والمتسرّعة التي أبداها المواطنون تجاه الأحزاب، والمجتمع السياسي، والانكفاء نحو العصبيات، ولاشك كان للتضليل الإعلامي  دوره.. حتى قيل إن طروحات ساسة الغرب والخليج أكثر طائفية وعرقيّة من طروحات المجموعات التكفيرية.

لذلك يضمن تفعيل العمل الحزبي تكامل وإغناء وتطوير الدور الوطني للمجتمع السياسي، والمدني، والأهلي دون المسّ باستقلالية أي منها، أو بالثقة به، .. فالصراع السياسي مشروع أما الأهلي فلا.

إن تفعيل العمل الحزبي وتقوية المجتمع السياسي يقوّضان المتاجرة بالمظلومية، وبالحرية، ويعصفان برغبة أمثال روبرت مالي مستشار أوباما الذي  انتصر لعسكرة المجتمع عندما كشف بالأمس بأن إدارته «ترغب وتعمل على أن تستمر الحرب في سورية»، كما يقوّضان هدف هذه الإدارة بتقديم الدم على الديمقراطية.

لم تزل نافذة الأمل مفتوحة، فرغم القدرة على نقد العمل الحزبي  والمجتمع السياسي، فهناك بوارق أمل متجدد تنبع من صمود القوى السياسية الوطنية وفي طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي وجيشنا العقائدي البطل الذي تتصل عقائديته بهذا الحزب، وبمعاداة المشروع الصهيو-أطلسي الرجعي العربي. وبالتالي بتعزيز المجتمع السياسي وقدرته على ضرب التكفير والإرهاب.

عبد اللطيف عمران