line1مساحة حرة

ثلاثيَة الهجرة والتسليح والإرهاب

من مظاهر الأزمة الراهنة التي ترزح منطقتنا تحت ظلالها الكئيبة مظهران أساسيّان هما: الاستمرارية والتشظّي.فهناك مخطط مركزي مستمر يهدف إلى زعزعة الاستقرار  والأمن والتقدم والعيش المشترك فيها، مخطط صهيو ـ أطلسي رجعي تجاوز عمره نصف القرن، يرتبط فيه الاحتلال الإسرائيلي بسياسات البترودولار لمواجهة المشروع الوطني العروبي بطابعه الإنساني… وما يستتبع ذلك اليوم،
من الاتجار: بالسلاح، وبالحدود، وبالإنسان.
< وأخيراً طفح الكيل بمسألة اللاجئين وتدفّقهم الى الغرب، ولا شك في أن المسألة معقدة جداً ولها جذور وفروع، لذلك هي اليوم وطيدة الحضور في مراكز الأبحاث وصنع القرار. ومن العجز والخيبة حصرها بالمسألة السورية، أي بهجرة المواطنين من جحيم الإرهاب الى الداخل السوري “كنف الدولة الوطنية”، والى الخارج أملاً بأرض الأحلام.
فاللجوء جزء من تفجّر ظاهرة الهجرة، وتجليّها بمظاهر عديدة، منها هجرة المواطنين من الإرهاب الغاشم، ومنها هجرة الإرهابيين من أربع جهات الأرض  “جيش المهاجرين الإرهابي”، واقتران ذلك بانهيار الحدود الوطنية. فصار الإرهاب جوّالاً عابراً، وكذلك أمر الهاربين من جحيمه، وصارت المسألة جدلية.
فالمنطقة لا تزال تنزف هجرة ولجوءً باستمرار وتتابع – وكأنه قدر – من فلسطين ولبنان والعراق وليبيا وسورية، واليمن الذي يتهدده اليوم “غزو خليجي” لا شك أنه سيضفي معنى جديداً للهجرة وللجوء، فقد قُتل فيه أمس بنيران التحالف في ميناء الحُديدة 22 مهاجراً هندياً.
بالمقابل، فإن لهجرة الإرهابيين إلى “أرض الخلافة” أسباباً ليست بسيطة ولا عفوية، فبالأمس  نشرت جريدة “الصحافة” التونسية صوراً لـ122 إرهابياً تونسياً قتلوا في سورية بين 2012 ـ 2013. فالمسألة لم تعد بسيطة، وهاهم المسؤولون في الغرب يضطربون في فضائها، ولا يعرفون أهي تجارة رابحة أم خاسرة؟ وهل اللاجئون عمالة متدنية أم أدوات …؟!
إذن، لم تعد المتاجرة بالموقف الإنساني من اللجوء خافية على أحد. فاللجوء صنو الهجرة، ولابد من موقف واضح  للمجتمع الدولي في هذا المجال، ولا يمكن الاطمئنان الى الآراء التي تربط اللجوء والهجرة بالاستبداد المحلي، بل يرتبط ذلك بسياسات البترو دولار التي أفضت الى نشر الفوضى والظلم، وبالتالي الإرهاب.
< وفي سورية لا يمكن معالجة مشكلة الهجرة واللجوء الراهنة إلا بتعزيز حضور مؤسسات الدولة الوطنية. فالسوريون لطالما نعموا بالاستقرار وبنتائج العيش المشترك والوحدة الوطنية…، واستقبلوا برحابة صدر اللاجئين من فلسطين ولبنان والعراق…، وقد حمى دور هذه المؤسسات جيش وطني باسل يعترف بذلك أحرار العرب وشرفاء العالم.
ففي افتتاحية صحيفة الأهرام المصرية أمس – مثالاً – تم توضيح: “أن الحقيقة التي يجب أن يعرفها القاصي والداني هي أن الجيش العربي السوري هو جيش نظامي وطني يدافع عن الأمن الوطني والقومي، والحكومة السورية أدركت مبكراً أهداف عمليات الإرهاب التي تجري على أرضها تحت غطاء الثورة..”
فاستقرار سورية الشعب والدولة والمبادئ يستلزم القدرة على محاربة الإرهاب، ومحاربتُه قرار دولي، فهل يُحارب بغير السلاح؟.
إن الذين يمتعضون من دعم الجيش العربي السوري  ينحازون إلى الإرهاب بشكل سافر ووقح. فمن يقلق من التسليح  يقلق على مصير الإرهابيين، لذلك أكد لافروف لكيري بقوة “مواصلة روسيا تقديم المساعدات لهذا الجيش لأنه القوة الأكثر فاعلية في محاربة الإرهاب”، وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية أن” روسيا في هذا السياق لا تنخرط في هندسة اجتماعية، ولا في تعيين رؤساء دول.”
إن تسليح سورية واجب، وحق، وضرورة وطنية وقومية وإنسانية لكبح همجية وحوش العصر.
< لذلك، لم تعد الدراسة الواقعية للظاهرة الإرهابية كافية اليوم، فهناك حاجة للدراسة المستقبلية، خاصة بعد أن انتقل تشظي الإرهاب من المستوى الأفقي” توالد الأذرع وانشطار الجماعات”، إلى المستوى العمودي” الطموح الجامح الى تغيير العالم” إثر القدرة على تجاوز الحدود والأفكار أيضاً بل تحطيمهما، والقدرة أيضاً على الإفادة من ثورة المعرفة والاتصالات.
فليست سورية اليوم وحدها بحاجة الى محاربة الإرهاب، علماً أن كثيرين باتوا مقتنعين أنها تحاربه نيابة عن العالم. فكل شعوب العالم، وكل الدول يتهددها الإرهاب، وهي بحاجة الى حماية مقومات حياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدستورية أيضاً. فالإرهابيون الذين خسروا بعد صدور القرار الدولي بالحرب عشرة آلاف مقاتل استقدموا في الوقت نفسه ما يزيد عن هذا العدد، ومن ثمانين دولة؟!.
بالمحصلة. دعم سورية بالسلاح وغيره ضرورة وطنية وعربية وإسلامية وإنسانية أيضاً. والحرب فيها وعليها – وكذلك الحل – يجب أن يتمخض عنهما ضوابط جديدة للسياسات والعلاقات الإقليمية والدولية، تصب جميعها في دعم نظامها الوطني في وجه الإرهاب والمؤامرة، وإلا فمستقبل العالم قاتم وكئيب.
د. عبد اللطيف عمران