مساحة حرة

ثورة آذار ..والبعد الجماهيري

جاءت ثورة الثامن من آذار في مرحلة تاريخية هامة من حياة الشعب العربي في سورية والمنطقة العربية، الذي لم يكن قد أمضى عقده الثاني متحرراً من نير الاستعمار الغربي الذي أذاق العرب الويلات وتمكن من تمرير أخطر اتفاقية بحق الدولة العربية الواحدة التي مزقتها “سايكس – بيكو” المشؤومة، وحولتها إلى كنتونات ضعيفة تُسيطر عليها بعض العائلات الاقطاعية والرأسمالية المرتبطة عضوياً بمصالح الاستعمار الذي غادر المنطقة نظرياً، وبقي مسيطراً عليها من خلال عملائه في الممالك والمشيخات والدول الضعيفة.

استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي أن يكسب ثقة الجماهير الشعبية الواسعة وكانت جلها من الفلاحين والعمال والوطنيين من حرفيين وصغار الكسبة وقامت ثورة آذار في صباح الثامن من آذار عام 1963 ، معلنةً إنهاء حكم الاقطاع والرأسمالية واستلام الطلائع الشعبية المخلصة زمام السلطة في سورية التي كانت تُعاني من حالة التخبط السياسي وغياب الاستراتيجية الوطنية الواضحة في أغلب قطاعات الدولة ، وما أن أعلن البعث قيام ثورته حتى هللت لها الجماهير الشعبية في كافة المدن والمناطق والأرياف ، التي اصطفت خلف أهداف الثورة النبيلة معلنةً مرحلة جديدة من حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، هناك من يسأل ببراءة أو بدونها ، طالما أن ثورة آذار قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي ، وتسلم زمام السلطة بموجبها ، لماذا تستمر الدولة باعتبارذكراها عيداً وطنياً في ظل الدستور الجديد الذي ساوى بين الأحزاب الوطنية ، ولم يعتبر حزب البعث هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ؟

في واقع الأمر وظاهره يُنسب لحزب البعث العربي الاشتراكي الفضل في قيام الثورة وتطبيق أهدافها الوطنية ، ولكنها في حيثياتها ليست ثورة الحزب وحده ، بل هي ثورة شعبية جماهيرية قادها البعث في مرحلة النشوء ، واستطاع تحقيق نقلة كبيرة في إدارة مصالح الجماهير الشعبية على ساحة الوطن ، وبالتالي تستحق ثورة آذار أن تحتل موقع الثورة الوطنية الشاملة ، وبالتالي أن تكون ذكراها السنوية عيداً وطنياً بكل ما للكلمة من معنى ، حتى لو وصل إلى سدة السلطة حزب آخر غير حزب البعث العربي الاشتراكي .

لقد أثبتت ثورة آذار بمبادئها وأهدافها أنها كانت مطلباً شعبياً واسعاً ، وحققت بعد قيامها بعداً جماهيرياً جامعاً ، وخاصة بعد قيام الحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد ” طيب الله ثراه ” في عام 1970 ، حيث انتقلت الحركة التصحيحية إلى مرحلة التطبيق العلمي الشامل للأهداف فحولتها من نظرية إلى واقع عملي ملموس ، انطلاقاً من إنشاء مجلس الشعب ، ووضع اللبنة الأساسية للإدارة المحلية ، وتنظيم المجتمع بكل فئاته ضمن منظمات شعبية ونقابات مهنية ، وأخذت قيادة الحركة بتوسيع قاعدة القيادة والإدارة ومشاركة أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والشخصيات الوطنية بفعالية عالية وفي أعلى المواقع .

إن الحرب الدائرة على سورية منذ أربعة أعوام وحتى الآن بقيادة رأس الامبريالية العالمية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من المعسكر الاستعماري الغربي وأدواتها في المنطقة ومن بقايا الرجعية العربية هي حرب على مبادئ وأهداف ثورة آذار التي قامت ببناء الدولة السورية الحرة المستقلة القوية التي تواجه اليوم قوى الشر في العالم واستطاعت الصمود والمقاومة بفضل الوحدة الوطنية التي رسختها مبادئ الثورة وعززتها عبر تاريخها النضالي المشرف، وكان من أهم منجزات ثورة آذار المجيدة بناء الجيش العربي السوري الذي تشرب العقيدة الوطنية والقومية وتفوق على مواقع الضعف الاجتماعي ، وقاوم أشرس حرب عالمية تُشن على دولة في العالم عبر التاريخ ، هذا الجيش الذي يعكس بصموده وبسالته وتضحياته أجمل صورة لوحدة الشعب والوطن ، ويُمثل مفخرة لأشراف الأمة بانجازاته الوطنية العظيمة .

وعندما نحتفل اليوم بالذكرى الثانية والخمسين لثورة الثامن من آذار المباركة في ظل قيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد وحزبنا العظيم حزب البعث العربي الاشتراكي ، نُثبت للعالم من جديد بأن الثورات الحقيقية هي التي تحقق مصالح الجماهير الشعبية وتحافظ عليها وتُدافع عنها بقوة لا تلين ، ولن تسمح للعملاء والخونة والإرهابيين بتدمير هذه المصالح وتخريبها من أجل تحقيق غايات ومصالح الأعداء الذين هزمتهم الثورة في بدايتها عندما كانت فتية ، وهي تهزمهم اليوم بقوة رجالها الأبطال المستمرين بالحفاظ على الارث الوطني الحضاري ، وعلى الدولة المستقلة الكريمة .

محمد عبد الكريم مصطفى