مساحة حرة

جمالية الفوضى!!!

الحق أنني تهت في البداية باختيار عنوان موحد لهذه المقالة بين جمالية الفوضى، ومؤسس الفوضى، والقضية في عدم القدرة على اختيار العنوان هو كوني تعرضت لحدثين مختلفين عن بعضهما في المكان والزمان ومتشابهين بالفعل.

وكون أن الفوضى لا تحتاج ولا تستطيع مقدمة ما شرحها، فأنني اعتقد بأن هذه المقال أيضاً لا يحتاج لمقدمة، جل ما في الأمر، أنني الآن مراقب أو أن صح التعبير مذهول وتائه، بهذا الكم من الضغوط الاجتماعية والمادية والنفسية وهذا الإرث الوطني الفاخر من اليأس واللامبالة، فتراني أنصت وحالي كحال أي سوري لحديث مسؤول ما، وإن أحببت أن أرى نفسي في المرآة لحظة المتابعة لشاهدت أبله، فاغر الفم، ينصت لشيء ما غريب، ينصت لكائن آخر لا يفهم ولا يستوعب عن ماذا ولمن يتحدث.

أياً يكن، نعود لعنوان هذه المقالة التائه، كنا قد أسلفنا الذكر عن حدثين الأول كان قبيل فترة الظهيرة بقليل والآخر مساء، كنت ذاهباً في بداية يومي للعمل فتشاغلت بإحدى المسارات التي تتفرع منها الطرق بازدحام مروري ضخم بقيت ما يقارب النصف ساعة لكن عندما خرجنا من الازدحام لم أرى حادثً أو حفريات أو شيئاً من دواعي التأخير التي تشتهر بها هذه البلاد، رأيت شرطياً، فقال لي السائق بأن هذا المسار دائماً قليلة الازدحام رغم التفرعات فيها إلا أن السير يكون طبيعياً، اللهم إلا عندما يتواجد شرطي ما، فإنه يخلق هذه الفوضى والتأخير عند تنظيمه السير، ولماذا؟ قال لكي يعمل بنا ولنا، وهذا كان سبب نشوء عنوان مؤسس الفوضى.

أما سبب العنوان الثاني، هو أنني قد تابعت يومي إلى أن اجتمعت مساءً بإحدى رجال الأعمال البارزين في بلادي لكتابة مادة عن مساهماته في تطوير الصناعة، فتحدثنا حديث خاص قليلاً وتحدث عن سكنه في أوروبا وأمريكا وعن جمالية دمشق، ومن باب التملق له أحببت أن أطيل الحديث معه فسألته عن المقارنة بين هذه الدول. فقال لي أنه يعشق دمشق… فسألته لماذا؟ فأجاب: لأنني هنا أقوم بأي عمل في دوائر الدولة دون الحاجة لمغادرة مكتبي وبسهولة كبيرة لا يوجد الكثير من التعقيد والبيروقراطية والروتين، هنا كل شيء يحل بسهولة.

أما في أمريكا كما وصفها لي، فإنه قد اضطر للوقوف في دوره ثلاث ساعات للحصول على هوية لابنه، وأنه في باريس قد تجرأ شرطي وقح لإيقافه ومخالفته بسبب قيادته المسرعة، لا يوجد هناك احترام لرجل أعمال، القانون.. قانون! وهذا شيء لا يلائم مركزي ومكاني، هنا “ملعبي”، هنا نرى أنفسنا أجمل ونعرف قيمتنا!! وعندما أدرك مصيبة ما قال، تدارك نفسه بأن الإنسان لا يكون ذا كرامة إلا في بلاده، وهنا نشأ في ذهني العنوان الآخر جمالية الفوضى.

في الحقيقة أن الفوضى لها خاتمة وهي خاتمة مكررة وقاتمة ومأساوية، فلم أر بلدا ومسؤولين وشعب، بدأ وتأصل بالفوضى وختم نفسه بشيء عظيم وبشيء غير اعتيادي.

يقال ولست اعلم صحة ما قيل بأن مجموعة من الألمان كانوا يقفون عقب انتهاء الحرب العالمية بأسابيع على مدخل إحدى الجمعيات الغذائية بشكل فوضوي فصرخ رجلاً بهم بأننا قد خسرنا الحرب فعلاً لكننا يجب إلا نخسر بلادنا فانتظم الجميع خجلاً مما قيل، كان ذلك الزمان البعيد جميل.

إنني لا اكتب من باب الحقد أنا لست حقوداً على أحد، لا على المسؤول وشرطي ولا على التاجر.. أنا لست حقوداً، وليس فيّ نزعة طبقية تجاه أحد، أنا مواطن قنوع بما يملك وليس لي في السياسية بال، غير أنني أشفق وأرثي على حال هذه البلاد، وإن صح التعبير، وكون الإنسان يملك بداخله شيطان صغير هو الأنانية، فأنا أخاف على أولادي، من المؤكد أنهم سوف يتفوقون هم وأمثالهم من الأطفال على فكر هذا المسؤول والتاجر والشرطي الذي يمثل هذه البلد وأن العالم المتحضر سيدخل في دماغهم مفاهيم لم تعد تفيدنا نحن العجزة لأن دماغنا قد صدئت، من المؤكد أن هؤلاء بتفوقهم على بلادهم لن يبقوا فيها، وأنا أخاف من باب الأنانية ليس إلا أن أشيخ وليس بجاني أحد من أولادي..

علي الجندي