مساحة حرة

جنيف بحلقته السابعة.. ما بين التفاؤل والتشاؤم؟؟

في تصريحٍ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب لقائه مع الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” في مدينة هامبورغ الألمانية على هامش قمة العشرين، قال: “إن الموقف الأمريكي تجاه سورية لم يتغير، لكنه أصبح براغماتياً أكثر”، في إشارة واضحة إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بإنشاء منطقة تخفيف تصعيد في الجنوب الغربي لسورية والتي كانت مطلباً أمريكياً قد تم لتجاوز عقدة الهزيمة الأمريكية، فهل كان الاتفاق خطوة باتجاه تغيير فعلي للموقف الأمريكي، أم أنه مجرد تكتيك جديد تسعى الإدارة الأمريكية من خلاله اللعب على وتر عامل الوقت ريثما يتم توضيح المشهد العام في مرحلة اتساع مساحة الصراعات البينية التي شملت في جزئياتها الأخيرة كافة المكونات بما فيها الأعضاء الأساسيون والشركاء في مشروع الحرب على سورية، حيث تطورت الحالة الخلافية بين مشيخات الخليج المتنافسة على كسب الثقة والرضا الأمريكي عبر طريقين اثنين لا ثالث لهما  الأول بإغراق الإدارة الأمريكية بالعطاءات المالية سواء عبر الارتباط معها بعقود ضخمة تستعيد فيها أمريكا القسم الأكبر من أموال النفط، أو من خلال إغداق الهدايا والهبات الشخصية على الرئيس “ترامب” وحاشيته بشكل مباشر، وثانيها بتنفيذ مشروع التطبيع مع حكومة الكيان الصهيوني بشكل متسارع وعلني وإنهاء القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار العربي، في حين أثبتت الإدارة الأمريكية بأنها تبرع في إدارة الخلافات البينية بين حلفائها وتجيد استثمارها إلى أبعد الحدود في تحقيق أهدافها ومصالحها الحيوية.

بالعودة إلى جنيف وحلقته السابعة التي بدأت يوم أمس العاشر من تموز الجاري وسط اجواء من الترقب والتفاؤل المختلط بالتشاؤم، والتخفيف من احتمال تحقيق خروقات حقيقية في الوصول إلى نتائج موضوعية مرضية لجميع الأطراف نتيجة الحوارات واللقاءات هناك، التي تبدو أحياناً بانها تحمل مساحة ولو صغيرة من التفاؤل الحذر المبني على عدة عوامل جاءت متواقتة أهمها تحرير الموصل وسقوط دولة الخرافة الداعشية في عاصمتها الأساسية الموصل وانحسار مساحة التحرك الأمريكي في متابعة الاستثمار القذر بالإرهاب، وهي ضربة مؤثرة في عمق الإستراتيجيا الأمريكية أدت إلى تغيير في الخطة الأمريكية عبر إطلاق تصريحات توحي بما يُشير إلى أن توجهاً جديداً أقل تشدداً لواشنطن تجاه الوضع الحالي في سورية قد نضج، بعد كل الذي حصل على الأرض خاصة تحرير حلب وريفها، والتقدم الكبير والمتسارع للقوات السورية في البادية وتطويق تنظيم “داعش” في أهم أماكن تواجده حتى باتت القوات السورية على مشارف الرقة المعقل الأخير لداعش، بما يفرض على الإدارة الأمريكية القيام بمقاربة براغماتية تنسجم مع الوقائع الراهنة على الأرض.

كما تُخيم على  أجواء اللقاءات في الوقت ذاته حالة من التشاؤم الواضح نتيجة اختلاط الأوراق الفاعلة وتشظي أفكار الوفد المعارض تبعاً للمحور الداعم له والتوجيهات التي تلقاها، فجماعة السعودية تغرد خارج سرب مجموعة قطر وتركيا وكلٌ وفق التعليمات التي كُتبت له وهي بكل تأكيد متباينة ومختلفة نتيجة اختلاف المصالح الأساسية للدول المشغلة، وبالتالي لن يكون هناك فرصة للتلاقي حول أي من السلال الأربعة المطروحة للحوار، لأن الطرف المعارض يفتقد للبراغماتية المطلوبة في مثل هذه المعارك الدبلوماسية التي تُحدد حركة مشاهدها مفردات الواقع الميداني على الأرض والمستجدة باستمرار وبالتالي تتطلب التعامل معها بواقعية، في الوقت الذي يتمسك فيه الوفد “المعارض” بما يُناسبه من بنود وقرارات اجتماع جنيف 1 التي كُتبت في حزيران من عام 2012، أثناء وجود واقع مخالف تماماً لِما هي عليه الأمور اليوم وثبت بالدليل القاطع عدم انسجامها مع الواقعية السياسية ولا مع مصالح الشعب السوري في أغلبيته، بل ومتناقضة تماماً مع مفردات الوضع الميداني الجديد التي تغيرت وانقلبت معها صورة المشهد بالكامل  قرابة 180 درجة نتيجة الانجازات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفائه على كافة الجبهات، وإن دوران الوفد “المعارض” في هذه الحلقة المفرغة ينم عن جمود فكري وجهل سياسي واضح لمن يعتقد أن الأهداف السياسية يُمكن أن تتحقق وفق الأحلام والرغبات فقط، ليس بما تقتضيه تفاعلات الواقع الميداني على الأرض.

على الرغم من اغتيال مخرجات اجتماع الأستانة 4 – الذي عقد منذ أيام ماضية – من قبل النظام الإخواني في تركيا واستمرار محاولاته التعطيل المتعمد لحل الازمة السورية، نجد ان نجاح اتفاقات الأستانة هي الكفيلة بتحقيق تقدم فعلي في اجتماعات جنيف والوصول إلى نتائج ملموسة، وإن الاتفاق الأخير بين روسيا والإدارة الأمريكية بخصوص المنطقة الجنوبية يُمكن أن يُساهم  في حل الكثير من التعقيدات التي رسمها المحور المعادي لسورية وعلى رأسه أمريكا، سيما إذا استطاعت إدارة الرئيس ” ترامب ” من مواءمتها مع قرارات مجلس الامن الدولي حول سورية وخاصة القرار 2254 بكل بنوده دون اجتزاء، لا أن تعتبرها تنازلاً من الحكومة السورية الشرعية كمقدمة لقبول واقع تقسيمي جديد عندها سيزداد الوضع تعقيداً في جنيف وغيرها من اللقاءات التي تتم حول سورية.

في النتيجة نستطيع القول بأن مشروع إنهاء الحرب العدوانية الظالمة على سورية والانتصار على التنظيمات الإرهابية وسحق كل من لم يستسلم طوعاً، قد تم رسم حدوده العامة بدقة متناهية واتخذ القرار بذلك من قبل القيادة السورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد، وسيتم تنفيذه وفق ما هو مخطط له بعناية وهدوء، بهمة قواتنا المسلحة الباسلة والقوات الرديفة والحلفاء، ولن تكتب الحياة لأي مشروع أخر يهدف إلى تقسيم سورية أو النيل من سيادتها واستقلالها، سواء كان قوامه التنظيمات الإرهابية المأجورة أو سياسيين أو مثقفين بياقات افرنجية مصنوعة من ألياف الخيانة والغدر بالوطن لتمرير أهداف صهيونية معادية، مهما كلف ذلك من تضحيات غالية..

محمد عبد الكريم مصطفى