مساحة حرة

جنيف 4 وآفاق التسوية السياسية في سورية

للمرة الالف يُظهر المبعوث الدولي إلى سورية “ستيفان دي مستورا” انحيازه التام لصالح جهة محددة من أطراف المشكلة الدائرة في سورية، وهي الجهة التي ترعاها وتدعمها قوى خارجية معادية لسورية وللشعب السوري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب عامةً، وبذلك يُثبت السيد ” دي مستورا ” عدم حيادته من خلال طرح سلاته الثلاث المستندة الى بيان جنيف1 الذي تم عقده في الثلاثين من حزيران عام 2012 بغياب ممثلين عن الحكومة السورية الشرعية وصاحبة الحق في قول كلمة الفصل في أي مشروع حل مهما كان قريباً او بعيداً، وبالرغم من انعقاد العديد من الاجتماعات واللقاءات التالية في جنيف وفي فيينا وفي الأستانة، التي ركزت بأغلبها على جوهر الحل وأهم أسس الانطلاق في الطريق المؤدي إلى الحل السياسي القابل للحياة والاستمرار، عبر طرح أولوية بند مكافحة الإرهاب والقضاء على كل أشكاله على كافة المحاور الأخرى، نجد أن المبعوث الأممي تجاوز هذا البند (بند محاربة الإرهاب) وتقدم بسلله الثلاث المتعلقة أولاً بقضية إنشاء حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية ..وثانياً موضوع صياغة دستور جديد ..وثالثاً .. موضوع إجراء انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد …
الطرح الأكثر فنتازيا والبعيد كل البعد عن الواقع هو ما تقدم به رئيس وفد ائتلاف الدوحة أو ما يُطلق عليه منصة الرياض، بأنه لا يُمكن محاربة الإرهاب إلا عبر الانتقال السياسي، متجاهلاً عن قصد عشرات الآلاف من الشهداء الذين قدمهم الجيش االعربي السوري – الجيش الوطني – في محاربة االإرهاب والتنظيمات الإرهابية المصنفة وفق قرارات مجلس الأمن الدولي كتنظيمات إرهابية (داعش، وجبهة النصرة واتباعهما) التي ترعاها ذات الدول المحتضنة لهذا الوفد وأمثاله ممن يُشاركون في اجتماع جنيف 4 .
هذا إن دل على شيء إنما يدل على مدى إرتباط هذا الوفد بعرى الإرهاب وعدم قدرته على قطع الحبل السري الموثق بالتنظيمات الإرهابية، والدليل على ذلك تنفيذ التفجيرات الإرهابية المجرمة في مدينة حمص بالتواقت مع انعقاد جلسات جنيف4، التي تؤكد من جديد عدم جدية ” المعارضة ” ورعاتها الإقليميين والدوليين في الدخول بمشروع حل سياسي حقيقي مبني على القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة .
واضح بأن عوائق نجاح لقاء جنيف4 تأتي بمجملها من جهة وفد ” المعارضة ” ومع ذلك أبدى وفد الجمهورية العربية السورية مرونة عالية في بحث كل القضايا المطروحة، مع التأكيد على ثوابت الحل الحقيقي ومخرجاته المتمثلة بأولوية بند مكافحة الإرهاب إضافة إلى فصل التنظيمات المنخرطة بالعملية السياسية سواء في الأستانة أو في جنيف عن التنظيمات الإرهابية الأخرى وتحميلها مسؤولية الوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب كبوادر حسن نوايا للدخول في عملية الحل السياسي، لكن على ما يبدو لم تكن الادارة الأمريكية الحالية متحمسة لإنجاز حل سياسي للأزمة السورية في هذه العجالة، كما أنها لم تنتهي بعد من دراسة كافة الملفات المرتبطة بالحرب على سورية، و في الوقت ذاته أعطت الضوء الأخضر لعملائها وأدواتها في المنطقة للتحضير لمؤامرة قديمة مجددة ضد سورية والشعب السوري في ترتيب ما يُسمى ” بالمناطق الآمنة ” في الشمال تحت إدارة تركية، وفي الجنوب تحت إدارة اردنية إسرائيلية مشتركة، والدليل على ذلك إستعادة مسرحية جرابلس في مدينة الباب بين القوات التركية وأتباعها في ” درع الفرات ” وبين قوات داعش بعد إجراء تنسيق عالي المستوى بين رئيس الاستخبارات التركية وقيادات من داعش والنصرة في انقرة ..
وفق المعطيات الأولية الصادرة عن لقاءات جنيف 4 نرى أن المباحثات لن تُفضي إلى نتائج ايجابية في ظل تعنت معسكر العدوان على سورية واستمراره في البقاء في دائرة المماطلة والتجاذب التي لا تُثمر، وطالما بقي الفريق الممثل للدول الراعية للعدوان على سورية متمترساً خلف مصالح تلك الدول، وواهماً بإنجازات معينة في معارك الميدان، نرى أن عوامل الحل السياسي وأسسه لم تنضج بعد وسيستمر الواقع بالسير نحو التأزيم، إلى أن يُنهي الجيش العربي السوري وحلفاؤه معركة تحرير سورية بالكامل من الإرهاب، وهو يُحقق في كل يوم انجازات عظيمة على كافة الجبهات مستنداً على أرضية صلبة من الايمان بحتمية النصر ..
في النتيجة فإن سلسلة لقاءات جنيف واجتماعات الأستانة وما بينهما فيينا وغيرها، هي مجرد أرقام لاجتماعات وتواريخ لا تُعطي في النهاية أي حل للأزمة السورية المركبة والمعقدة، واللقاء الوحيد القابل لانتاج حل فعلي هو لقاء سوري – سوري في دمشق تحت رعاية الحكومة السورية الشرعية التي أبدت انفتاحاً كبيراً أمام كل التيارات الفكرية والسياسية وحتى التنظيمات المسلحة الراغبة في الحل، من أجل الاجتماع والوصول إلى خارطة طريق موضوعية تساعد في انجاز حل سياسي يُرضي الجميع حول شكل وطبيعة النظام السياسي لسورية المستقبل دون أية ضغوط خارجية أو تدخلات لجذب كفة الميزان لصالح هذا الفصيل أو ذاك ..

محمد عبد الكريم مصطفى