مساحة حرة

جيشنا يخوض حرباً أهليّة أم وطنيّة؟

يطول الحديث في عالم اليوم، ويضطرب في معرض تعريف الحروب الحديثة، فقد عرف تاريخ الحرب ألواناً من المصطلحات الفضفاضة والغامضة إلى حد ما، فهناك الحرب الأهلية، والحرب الوطنية، والحرب العالمية، والحرب الباردة، والحروب الجديدة…إلخ.

ومن الواضح تماماً في عالم الحداثة، وما بعد الحداثة، العولمة ومابعد العولمة، أن ألواناً متجددة من الصراعات ستحدث بين المجتمعات، والشعوب، والدول، والتجمعات الإقليمية. فالتاريخ مع الأسف ليس تاريخاً سلميّاً، وإنما هو تاريخ نزاعات صفحاته مسطّرة بالدم وبالدمار.

وقَدر هذه المنطقة من العالم أن يكون ترابها مجبولاً بالدم لأسباب عديدة أهمها في الماضي الأماكن المقدّسة، واليوم الطاقة وخطوط النقل، ولسورية الطبيعية، وللجمهورية العربية موقع متميز في هذا جميعه كما قال عالم الآثار الفرنسي آندريه بارو “لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان: سورية ووطنه الأم”.

وتكاد الحرب على سورية تختزل اليوم  مظاهر عديدة من التاريخ والجغرافيا والواقع، ولذلك يختلف الباحثون معرفيّاً وسياسياً في معرض تعريفها لأسباب عديدة أولها أنها لم تكن تخطر في البال، وأنها لم تكن متوقّعة على ما هي عليه أبداً، إضافة إلى أسباب أخرى تتصل بتعدد الأطراف الداخلة فيها، وبانخراط أغلب الدول والشعوب والأعراق والمذاهب فيها، إضافة أيضاً إلى طولها في الزمان، وفي الجغرافيا حيث تحطّمت فيها الحدود الوطنية وتوافدت العصابات المسلحة الإرهابية من أكثر من عشرات الدول.

إذن، الحرب على سورية، وعليها، عصيّة إلى حد ما على التصنيف، لكن مع مضي السنوات اتضح أن أعداء الدولة الوطنية يجتهدون سياسياً ومعرفياً واجتماعياً لتعريفها بـ”الحرب الأهلية”، وتحاول أغلب مراكز الأبحاث والدراسات والميديا في الغرب والخليج تعزيز هذا التعريف، ومع الأسف يجد الباحث اليوم عشرات المؤلفات والمقالات بالانكليزية والفرنسية في المكتبات والجامعات ترسّخ هذا في الأذهان لتؤثر في الرأي العام تأثيراً سلبياً معادياً للدولة الوطنية ولعراقة الشعب العربي السوري ونزوعه التحرري والوطني والعروبي والإنساني، مقابل غياب أي جهد مؤسساتي وطني للرد، ولدفع هذه الشبهات المؤذية جداً في الحاضر والمستقبل… والحديث يطول هنا أيضاً.

إن مايجري في سورية ليس على الإطلاق حرباً أهلية Civil War ولا هو أيضاً حرب داخلية Internal War ، ففي الحرب الأهلية كما هو مستقر في المعجم السياسي وفي القانون الدولي يرى كل مواطن في الآخر عدواً له لايمكن التعايش ولا العمل معه إلا بتقسيم التراب الوطني، ويكون المحرّك الأساسي للحرب الأحزاب السياسية أو الأعراق أو الأديان، وفي هذه الحرب تحدث «ثنائية» أو قتال بين القوات المسلّحة النظامية ينقسم جراءها الجيش والإعلام والبرلمان والمصارف والحكومة المركزية. بحيث تغيب قدرة الدولة على التأثير في هذا الانقسام.

مثل هذه الحرب غير موجودة في سورية، وإن كانت هي الهدف من قبل التحالف الصهيوأطلسي – الرجعي العربي. وقد تحدّث في توضيحها ونفيها أكثر من مرة الرئيس بشار الأسد، وكان من أهم توضيحات سيادته لها ماورد في حديثه للتلفزيون الألماني في 1/3/2016 فقال: ليس هناك في سورية حرب أهلية، وهذا تعريف خاطئ، ففي الحرب الأهلية تكون هناك خطوط اجتماعية تقوم على أساس الطوائف أو الإثنيات، وليس لدينا هذه الخطوط لأن المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة فيها كل ألوان الطيف الاجتماعي السوري..، الحرب عندنا تدور حول الاستقلال والسيادة ومحاربة التطرف والتكفير والإرهاب…».

إذن، جيشنا لا يخوض حرباً أهلية لأن مايجري في سورية ليس حرباً أهلية على الإطلاق. فما هي الحرب التي يخوضها جيشنا ومعه شعبنا ونظامنا السياسي؟.

إن جيشنا يخوض حرباً وطنية بكل معنى الكلمة، والحرب الوطنية مصطلح أول ما ارتبط بحركة التحرر الوطني الأفروآسيوية الأمريكية اللاتينية، وبدحر الاتحاد السوفييتي السابق للنازية، ولا وجود لهذا المصطلح عند الأنكلوسكسون ولا في الفرانكفونية ولهذه أسباب يعود بعضها إلى جنسية الاستعمار الحديث، وبالكاد نظفر في المعاجم بمصطلح موازٍ لـ: Great Patriotic War . وعلى العموم فالحرب الوطنية تهدف في جوهرها إلى الحفاظ على الوطن شعباً وأرضاً وسيادة وكرامة ووحدة وطنية ضد الرجعية والاستعمار وكافة أشكال الإرهاب التي تهدف إلى تدمير المجتمع والدولة تحت ذريعة تغيير النظام السياسي خدمة لاستراتيجية أجنبية معادية للوطن وللشعب وللأمة.

في هذا السياق، يخوض جيشنا حرباً وطنية، وقد أكد السيد الرئيس هذا التعريف أثناء زيارته لقاعدة حميميم في 27 حزيران الماضي فقال: «الشعب السوري لن ينسى وقوف أشقائه الروس إلى جانبه في هذه الحرب الوطنية». ونلمح معنى إضافياً لهذا التعريف الواقعي في تحية سيادته بالأمس لحماة الوطن في عيد الجيش لتضحياتهم «صوناً لسيادة الوطن وحريته واستقلاله.. مع تلاحم شعبنا الأبي ووقوفه صفاً واحداً الى جانب جيشه الباسل».

ففي الحرب الوطنية التي يخوضها جيشنا تكون المواجهة قضية عادلة لرد المخاطر عن المجتمع والدولة والأرض والسيادة، وفي هذه المواجهة يدافع جيشنا العقائدي أيضاً عن القضية المركزية في مواجهة المشروع الصهيوني والرجعي العربي، فيدافع إذن عن العروبة والإسلام. ولأنها كذلك يحق لنا حشد كل قوانا والاستعانة بالحلفاء وبالأصدقاء وبالمقاومة لأن القضية مشتركة.

إنها حرب وطنية، ولو كانت أهلية لما استطار شررها إلى دول حركة التحرر الوطني والاستقلال العربي فقط. فأية حرب أهلية يكون فيها السلاح والمال والإرهابيون والإيديولوجيات من الخارج؟!. هذا مايؤكد أن المقصود من «الربيع العربي» هو البقاء تحت وطأة الحرب الأهلية.

د. عبد اللطيف عمران