مساحة حرة

حدثان شغلا العالم ورسما حدود المعركة

في دمشق العروبة القلعة الراسخة التي هزمت الغزاة وعبرت عن ذاتها كأقدم عاصمة في التاريخ كحضارة ملأت الدنيا بنورها، وحرقت الغاصب بنارها، ورسخت قيم الآصالة والنبل وعززت نهج السيادة والاستقلال من خلال صمودها الأسطوري في وجه تتار العصر وشذاذ آفاق الدين الحنيف، وعندما يتعانق الحدث مع الأرض تبرز الحقيقة كفاصل للزمن، وتجسيد لقدسية التراب والهواء والماء، لكي تبدو كلوحة رُسم إطارها من دماء الشهداء وتزركشت ألوانها مضرجة بعبق النصر المكلل بياقات الغار والياسمين، حدثان شغلا الساحة السياسية والإعلامية في المنطقة والعالم ورسما حدود المعركة من عاصمة الأمويين، كان الأول المؤتمرالإعلامي الأول لمواجهة الإرهاب الذي عقد في دمشق الحضارة والتاريخ، وحضره وتحدث فيه أكثر من 130 شخصية إعلامية عربية وأجنبية معروفة ولها بصمتها في مجال الصحافة والثقافة والفكر على الساحة الدولية، والحدث اللآخر الذي انتظرته الجماهير بشغف وترقب هو خطاب النصر الذي تحدث فيه قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد لممثلي المنظمات الشعبية والقيادات النقابية ولجماهير الأمة عامةً، وشرح سيادته الواقع بكل تفاصيله وتفصيلاته في مرحلة هامة ومفصلية من تاريخ وطننا والعالم، حيث رسم صورة واضحة عن مجريات الأحداث وإطارها العام ووضع أسس مستقبلها في المنطقة، المبنية على مبدأين اثنين، مكافحة الإرهاب والحوار الوطني كمدخل للحل السياسي الذي سيكون نتاج الصمود العظيم للشعب السوري وإنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه في معركة الشرف والوجود في مواجهة الحملة الإرهابية القذرة على سورية والمنطقة العربية.

انعقاد المؤتمر الإعلامي لمكافحة الإرهاب في هذا الحيز من الزمان والمكان يحمل العديد من الدلالات والرسائل المتنوعة التي توحي بمتغيرات كبرى ستطال المنطقة والعالم وعلى الإعلام الصادق استيعابها والتهيؤ لها، الرسالة الأولى كانت من شوارع دمشق وبيوتاتها وفنادقها ومطاعمها بأن سورية تعيش حياتها الطبيعية وتتمتع بحيوية شعبها المعهودة على عكس ما يُشيع تجار الدم وأبواق الأعداء القابعين في غرف الظلام، وأنه لا مكان للخوف بين السوريين، وبالتالي انطلاق المؤتمر الإعلامي الأول لمواجهة الإرهاب من دمشق التي تُحضر نفسها لاحتفالات النصر الكبير كماوصفها الكاتب والباحث المغربي “ادريس هالي” هو دعوة لكل القوى السياسية والثقافية والدينية على الساحة الدولية لكي تُعيد حساباتها وتتجه نحو لغة العقل التي تفرضها الأحداث كمحصلة طبيعية قريبة لنتائج معركة الشرف الذي يخوضها الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة ضد الإرهاب الدولي وقوى الشر والتكفير في العالم  للتنسيق والتحالف مع سورية للقضاء على هذه الآفة التي تجتاح العالم وتهدد مستقبل أمنه واستقراره، وهومناسبة سياسية هامة لحس الدول والأطراف الداعمة للإرهاب بالعدول عن مواقفها الغبية، لأنها هي الهدف القادم للإرهاب الذي لا يعترف بحدود أو دين أو عقيدة.

وأما الحدث الذي أثار مشاعر الخوف والرعب في قلوب وعقول أعداء سورية، وهزّ عروش العمالة والخيانة في أوكارها، وأدخل السكينة والأمل في نفوس السوريين وأصدقائهم الشرفاء، فكان خطاب السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، الذي بدا هادئاً وواثقاً من تنفيذ خطوات المعركة بالتنسيق والتعاضد مع الأشقاء والأصدقاء في المنطقة والعالم، مؤكداً سيادته على متابعة السير في معركة القضاء على الإرهاب واجتثاثه، لأن الإرهاب فكر مريض وعقيدة منحرفة نشأت وكبرت في بيئات أساسها الجهل والتخلف، ولا يخفى على أحد أن الاستعمار هو من أسس لكل هذه العوامل ورسخها وما زال..

وقد كشف السيد الرئيس للعالم عدم صدقية الولايات المتحدة والغرب في موضوع مكافحة الإرهاب متسائلاً : كيف للدول الغربية التي دعمت الإرهاب أن تُكافحه؟ وإن تعامل الغرب مع الإرهاب ما زال يتسم بالنفاق من خلال استمرار الغرب ازدواجيته للمعايير، وإن كل ما يفعله الغرب يزيد من اتساع رقعة الإرهاب في المنطقة، كما أكد سيادته على تجاوب سورية منذ اللحظات الأولى للأزمة مع كل المبادرات بغض النظر عن النوايا، لأن دماء السوريين فوق أي اعتبار ووقف الحرب له الأولوية، مجدداً تأكيده بأن أي طرح سياسي لا يستند في جوهره إلى القضاء على الإرهاب لا معنى له..

كما أشار السيد الرئيس في خطابه على قدرة القوات المسلحة على حماية الوطن ورغم ضخامة الحرب العسكرية والنفسية التي تُمارس على سورية والحرب الإعلامية المضللة عن طريق الحديث عن حرب أهلية، فإن القوات المسلحة حققت إنجازات عظيمة وكسرت المعايير المتعلقة بالتوازن، وإن الهزيمة والانهزام غير موجودة في قواميس الجيش العربي السوري، وإن انتصار سورية في حربها لا يعني فقط دحر الإرهاب والقضاء عليه، بل يعني أن المنطقة ستستعيد استقرارها وإن مستقبل منطقتنا سوف يُحدد وتُرسم ملامحه إستناداً إلى مستقبل سورية..

لقد أذهل العالم بقدرته على التعامل مع اللحظة الراهنة بكل مستجداتها ومفاجآتها، وامتلاكه حكمةً دبلوماسية فريدة تجعله قادراً على تطويع الكلمة بما يُناسب مقتضيات المعركة ومفاصلها الرئيسية كمن يستند إلى صخرة صلبة ويُدافع عن الحق، معززاً مقولة بأن الوطن لمن يُدافع عنه ويُضحي لأجله، وليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره، و للعبيد والأتباع والخونة والمتآمرين الذين سيُرميهم أسيادهم في سلة المهملات، وأما الشعب السوري فمنذ زمن طويل ألقى بهم في مزبلة التاريخ.

كل شبر من سورية هو غالٍ وثمين ولا تنازل عن السيطرة عليه، وإن حصة كل سوري هي كل سورية.. سورية الواحدة الموحدة.

محمد عبد الكريم مصطفى