مساحة حرة

خيارات عراقية صعبة

 أضحت معركة تحرير الفلوجة بالتنسيق مع التحالف الأمريكي بعد حسم الرمادي والرطبة، وبإشتراك أطراف عراقية عديدة على رأسها الجيش العراقي، في حكم المحسومة، ما يتيح تأمين الطريق الدولية مع الأردن وطرد داعش والعصابات الإرهابية بعامة من غرب العراق، المحاد لكل من سورية والأردن، الأمر الذي يفترض  إتعكاسه إيجابيا على الاوضاع الإقتصادية فيهما.

وقد تزامن وسبق إعلان عزم العراق الرسمي حسم هذه المعركة اجتياح آلاف المتظاهرين العراقيين، للمنطقة الخضراء في بغداد، واقتحام متكرر لمكتب رئيس الوزراء العِبادي، ومطالبات باستقالة جماعية لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس النواب، في خطوة  لو تمّت لأحدثت، فراغاً دستورياً، يهدد بتصدع الدولة العراقية، فوق ما هي عليه من أزمات، وتمدد الإرهاب وليس فقط إستكمال تحرير غرب العراق.

لا شك أن العراق يعيش حاليا مرحلة دقيقة، فتحريره من العصابات الإرهابية أولوية رئيسة بالنسبة له، وبدرجة ثانية بالنسبة إلى سورية والأردن، لكن دخول التحالف الدولي الأمريكي على هذا الخط، وعقْد اتفاقات مع  مؤسسات راس المال العالمية، سيُسقط الى حد كبير الإنجاز الذي حققه العراق بإخراج القوات الأمريكية من أراضيه، ويفرض تبعية جديدة لحلف النيتو ولمؤسسات راس المال العالمية بكل ما يستتبع ذلك من انتقاص في القرار العراقي السياسي والإقتصادي المستقل.

وفي آن، سيتسبب إيلاء (الإصلاحات السياسية الداخلية) أولوية على تحرير العراق من العصابات الإرهابية، (استقرار) هذه العصابات في مناطق سيطرتها واحتمال تقدمها في مناطق جديدة، واستدراج بطانات حاضنة، وقد يعمد التحالف الدولي إلى إيجاد صيغ تفاهم واقعية معها ؛ تحفظ مصالحه في المناطق التي تسيطر عليها، ويتحقق بذلك جعل التقسيم في العراق حقيقة واقعة.

بهذا المعنى فإن العراق يعيش مأزقا .. ليس سهلا .. والصحيح أن تولى مهمة تحرير العراق على ما عدا ذلك من خيارات، فالإصلاحات السياسية لا تستقيم مع استمرار احتلال أراض عراقية  بما فيها الفلوجة، والإصرار على الاستمرار في التظاهر واستعراض القوة (بغض النظر) عمن يكون خلفها، لن تثمر غير تعطيل دحر الإرهاب وإسقاط مؤسسات الدولة.

وفي المقابل فإن مشاركة التحالف الدولي الأمريكي في (تحرير) العراق من الإرهاب، والتعامل مع مؤسسات رأس المال العالمية سيدخل العراق مجددا في متاهة التبعية لهذه المؤسسات وللولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها السياسية والعسكرية، وسيتعدى هذا الخطر العراق ؛ فالأطماع الأمريكية لا تقتصر عليه، بل تتعداه إلى سورية، حيث أعلن عن وصول قائد عسكري أمريكي كبير إلى شمالي سورية لتكريس ما أطلق عليه (تحالف كردي عربي) تمهيداً لـ (تحريرالرقة) خلافا لرغبة الدولة الوطنية السورية، ودون تنسيق مع روسيا الاتحادية، ما يؤكد أطماع  الولايات المتحدة ليس في العراق فحسب وإنما في المنطقة ككل.

لا بد أن الخيار العراقي الأجدر بالإتباع، تأجيل الإصلاحات التي يحتاجها العراق، وإيلاء تخليصه من العصابات الإرهابية أولوية ولكن بأيد عراقية خالصة، على أن يترافق كل تقدم على الأرض ضد الإرهاب، بخطوة إصلاحية جديدة وهكذا .

يبقى الإشارة إلى أن الحسم قد ينعكس هجرة واسعة من الإرهابيين الفارين وأسرهم ومناصريهم، من المناطق التي يجري تحريرها والمحررة؛ إلى الأردن، بما يشكل أعباء أمنية  حدودية إضافية على الأردن، فضلا عن احتمالات تسرب إرهابيين عبر اللاجئين وبطرق أخرى، كـ العبور عبر الحدود السورية المحاذية للأردن إليه، بخاصة أن بين إرهابيي  تلك  المناطق ؛ إرهبيين سوريين سواء كانوا من داعش أو أخواتها، كما قد يحاول بعضهم التسلل إلى شرق سورية وفتح جبهة جديدة هناك، في محاولة للإتصال الجغرافي مع عصابات إرهابية في مناطق محادة للجولان العربي السوري المحتل من قبل  “إسرائيل “.

من هنا، فإن معركة تحرير الفلوجة وغرب العراق بعامة، تتخذ طابعاً إقليميا، سواء سلباً أو إيجابيا، وتحاول واشنطن من خلالها العودة متعددة الجوانب إلى المنطقة بقوة، لكن نجاح هذه العدوان الجديد بثياب  القضاء على الإرهاب، لن يكتب له النجاح غالباً، فالمعنيون بأمن المنطقة الإستراتيجي الحقيقي موجودون على الأرض بفعالية وقوة وعيونهم مفتوحة على الآخر، و(بنادقهم  جاهزة ومشرعة.

 

محمد شريف الجيوسي