مساحة حرة

دعوة السعودية: اتحاد أم مرض توحد؟

هل تعاني المملكة العربية السعودية من مرض التوحد؟ … كثيرا ما تُفهم الدول من خلال سلوك الافراد، وفي العادة فإن سلوك الفرد يحدد طباعه وأمراضه. لا يسمع مريض التوحد محدثه، فيفقد الاتصال بالآخر وينكمش على نفسه، ونراه يكرر السلوكيات والحركات نفسها.

 وعلامات المرض تبرز بوضوح في السياسة السعودية، لا نصائح تتقبلها او تسمعها المملكة، وفي حين يتقن جيرانها فن التواصل مع الخصوم، تفقد المملكة حتى قدرة ملاقاة الجار في مد يده، أما عن تكرر السياسات فحدث ولا حرج عن دعم للتطرف وتهويل بمشروع الاتحاد الخليجي!

كلما شعرت المملكة العربية السعودية  بالحرج تهرب نحو التلويح بطرح فكرة “الاتحاد الخليجي”، والمبررات جاهزة دوماً “تهديد مصالح المملكة” وخطر اقليمي لا تراه المملكة متمثلاً إلا بـ “إيران”. لم يقتصر الحديث عن توحد الخليج إبان حرب الخليج الأولى، إذ تكرر مع أحداث “الربيع” وطُرح بقوة بعد تصاعد الأزمة البحرينية، ويُعاد اليوم إلى الواجهة بعد الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى.

في 25 أيار/ مايو 1981 تأسس مجلس التعاون الخليجي، بعد عام على اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وايران، قيل يومها إنه يُراد للمجلس أن يحقق ترابطاً وتنسيقاً اقتصادياً وسياسياً خليجياً وصولاً إلى الوحدة لاحقاً. رُوج لفكرة الاتحاد يومهاً من باب التهويل في الحديث عن “الخطر القادم من الشرق”.

ورغم عدم تحقيق اتحاد جمركي أو عملة خليجية مشتركة، إلا أن السعودية رغبت في ضخ الروح في الفكرة الميتة، فتكررت طرح فكرة الاتحاد في 10 أيار/ مايو 2011، عقب أحداث ما سُمي بـ ” الربيع العربي”، وجاء إعلان أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني الموافقة على ضم المملكة الأردنية الهاشمية للمجلس ودعوة المملكة المغربية للانضمام لمجلس التعاون، لكن المغرب قامت بالإعتذار معتبرة “اتحاد المغرب العربي” عمقعا استراتيجياً لها.

وفي 8 شباط/ فبراير 2012، حضر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث السعودي، بمعية الملك السعودي عبدالله آل سعود. وكان ملفتاً  -يومها- ما خرج عن لقاء الملكين، وجاء  في بيان أنه “تم التشاور والتباحث بين الملك حمد وعبدالله آل سعود، بشأن الخطوات التنفيذية للوصول الى تصور يحقق مشروع الاتحاد الخليجي الذي يطمح الجميع إلى تحقيقه والذي سيعرض على القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون المقرر عقدها في العاصمة السعودية الرياض خلال شهر مايو المقبل”.

غاب الحديث عن الاتحاد، ليُفتح اليوم مرة أخرى وذلك على هامش أعمال الدورة الرابعة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، والتي تسضيفها الكويت اليوم على ان تمتد ليوم الغد.. فكانت المفاجأة العمانية: “نحن ضد الاتحاد”.

موقف عُمان الذي أعلنه وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي السبت خلال مؤتمر للامن الاقليمي على هامش مشاركته في “منتدى حوار المنامة”، قائلاً إن بلاده ضد قيام الاتحاد الخليجي الذي تطرحه السعودية، مهدداً بالانسحاب من المجموعة في حال قيام الاتحاد.

وسرعان ما جاء الرد من الرئيس السابق للمخابرات السعودية تركي الفيصل خلال المؤتمر نفسه مؤكداً أن “الاتحاد لا محال منه ويعود لهم (العمانيين) ان يقرروا ما اذا كانوا يريدون ان ينضموا الان او لاحقا”.

هل يُجمع الخليجيون على فكرة اتحادهم؟

مجلس التعاون الخليجيلا يتشارك مشايخ وأمراء الخليج الحماس نفسه مع السعودية لناحية فكرة الاتحاد، لأن حسابات مشروع الاتحاد سعودية بحت، لناحية التصدي لنفوذ ايراني يتنامى في المنطقة، أو وضع اليد على الخليج بأكمله.

لعمان حساباتها المختلفة أيضاً، فالسلطنة التي نأت بنفسها إلى حد ما عن تأثيرات السياسة السعودية قدمت نموذجها الخاص، التي تتمسك به وتريد الحفاظ عليه. تريد عُمان أن تبقى السلطنة التي تمايزت عن الخليج بتعايش مذاهبها المختلفة، كما أنها لا ترغب أن تكون طرفاً في أي مشروع ينظر إليه على أنه موجه ضد ايران.

وللكويت موقف واضح أتى داعماً للموقف العماني، داعم، وقد عبر عنه وزير الصحة الكويتي محمد العبدالله المبارك الصباح بالقول ان مسألة الاتحاد الخليجي “بحاجة الى المزيد من البحث والدراسة”.

أما قطر التي لطالما تمردت على سياسات الاحتواء السعودية، لن يكون في صالحها أن تسلم الأمر بالكامل للسيد السعودي، الذي نحاها عن المشهد السياسي بالكامل، قبل أن يوجه لها رسالات تهديد بأن قادر على محوها عن الخريطة.

والامارات، التي طالبت بعدم التسرع في خطوة الاعلان عن الاتحاد، لها تجربة مع الوحدة وتخبُر أن في اللحاق بالسعودية انتحار. تماماً كما البحرين التي لوحت بالاتحاد كورقة تهديد بوجه شارعها المنتفض ضد سياسات القمع، إلا أنها رغم تصاعد الأزمة لم تبادر في أي خطوة عملانية نحو تنفيذ ما لوحت به لناحية الاتحاد مع السعودية، فالمملكة التي يتصارع فيها العم والملك ونجله على السلطة لن تسلم مفاتيح القصر لآل سعود بسهولة.

أكثر من عقدين والتهويل السعودي بالاتحاد حاضر متى اقتضت الحاجة، يتكرر حديث المملكة ليصطدم اليوم برفض الأشقاء، وتمضي غير آبهة بموقفهم. تنكمش السعودية على نفسها أكثر وأكثر.. فهل نحن أمام حقيقة اتحاد أم أنه فعلاً مرض التوحد؟

نقلا عن موقع “المنار” الإخباري اللبناني