مساحة حرة

دمشق قلب العروبة وذراعها القوية

على طريقتها الكفاحية العامرة بالتضحيات، والمعطرة بدماء الشهادة، تحتفل جماهير شعبنا الأبي بعيد الجلاء، مؤكدة للعالم كله أن المعركة في سبيل الاستقلال مستمرة، وأن أحفاد السوريين يواصلون اليوم ملاحم أجدادهم الذين تصدوا للاستعمار الفرنسي، وحاربوه بلا هوادة، حتى تمكنوا من دحره وطرده من بلادهم.
والحقيقة أن أحد الأسباب العميقة لاستهداف سورية اليوم هو حرصها المبدئي على أن يكون لاستقلالها مضمون سياسي واقتصادي فعلي يجعلها دولة ذات سيادة حقيقية وقرار حر. وقد تطور هذا النهج الاستقلالي الوطني وأصبح نهجاً مقاوماً له تأثيراته الإقليمية والدولية مع قيام الحركة التصحيحية، مما زاد في حجم الاستهداف الغربي – الصهيوني – الرجعي الذي تعرضت له سورية، إلى أن وصل هذا الاستهداف في السنوات الأخيرة، ولاسيما مع بداية العدوان الإرهابي التكفيري المدعوم من الغرب وأذياله الإقليميين إلى حد غير مسبوق، استخدمت فيه كل أنواع الترهيب العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية لإسقاط الدولة الوطنية السورية، لكنه اصطدم بصخرة الصمود المنيعة ممثلة بشعبنا الأبي، وجيشنا الباسل، وقائدنا الاستثنائي السيد الرئيس بشار الأسد الأمين القطري للحزب الذي تجسّدت فيه الشجاعة الوطنية الفائقة، والحكمة الفريدة، حيث صنعت سورية، وتصنع بقيادته الفذّة ملحمة استقلالها من جديد، دفاعاً عن أرضها وشعبها وسيادتها وحريتها وكرامتها.
إن سورية بجيشها وشعبها وقيادتها التاريخية ودعم حلفائها وأصدقائها استطاعت أن تواجه وتفشل أخطر مشروع واجه الأمتين العربية والإسلامية خلال قرن مضى بتصديها للعدوان الارهابي التكفيري الذي استخدمت فيه أدوات داخلية وإقليمية، واستثمر فيه العامل الديني، وتحديداً المذهبي، أسوأ استثمار بهدف تحريض قطاعات واسعة من أبناء المنطقة على إخوانهم في الوطن بهدف تخريبه وتشظيته وصولاً لتدميره بنية ومكونات.
إن ما تشهده دول المنطقة من تحديات وجودية عبر النفخ في محرقة الأديان والمذاهب والأعراق يحتاج إلى جهد فكري وثقافي ذي طبيعة استراتيجية واسعة الحوامل، متعددة المرجعيات والهويات الإيديولوجية، متفقة على الأهداف البعيدة، وتحديد وطبيعة المخاطر التي تتهدد أبناء المنطقة ودولها وكياناتها السياسية ووجودها الحضاري وهويتها الثقافية. ومن هنا تبرز أهمية الملتقيات الفكرية التي يمكن أن تشكّل النواة والإطار لتشكيل الكتلة الفكرية التاريخية لتكون الحامل والرافعة الثقافية والاجتماعية لها بهدف تشكيل وعي شعبي واسع الطيف بطبيعة ومخاطر هذه المشاريع الهدامة ومواجهتها واسقاطها والحيلولة دون سيطرتها على الوعي الجمعي للجماهير بالمعنى الواسع للكلمة لأن الخطابات المضللة للرأي العام لا تتحرك إلا في مساحات الجهل والأمية. وفي إطار هذا الجهد الثقافي والفكري الاستراتيجي الذي يبذله حزبنا العظيم بشكل منهجي ومنظّم، كان لملتقى الحوار القومي العاشر الذي عُقد مؤخراً في دمشق بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين العرب دلالة هامة على موقع سورية المحوري في ريادة المشروع القومي ومقاومة المشاريع الاستعمارية وتوابعها دفاعاً عن الأمة العربية ونهج المقاومة وثقافتها التي عمل وسعى أعداؤها لإسقاطها وتكريس ثقافة الاستسلام والاستكانة للقوى الخارجية أو الهزيمة أمام عصابات الإرهاب والقتل والدم.
إن المعارك الثقافية مع قوى الاستسلام والظلام ليست بالمسألة السهلة لأنها تحتاج إلى خطاب مقنع للجماهير إضافة للأدوات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع والتي تتمتع بالمصداقية وتملك مهارة التواصل مع الجماهير وتشكّل القاسم المشترك مع الأوساط الشعبية بمختلف مستوياتها وبيئاتها التي تؤثر في وعيها وسلوكها، وهذه مسألة غاية في الأهمية لأن أحد أهم أسباب فشل المشروع النهضوي العربي هو نخبوية الخطاب وابتعاده عن الواقع وعدم قدرته على الاستثمار في الثقافة السائدة والارتقاء بها إلى حيث يجب أن يستدعي الوعي المطلوب لتكون الجماهير هي الحامل والمتفاعل مع تلك الأفكار.
إن سورية المقاومة ورافعة الفكر القومي العروبي، بشعبها وقيادتها الحكيمة وخطابها الفكري ورسالة البعث التي تحملها، قادرة على ريادة هذا المشروع الذي يشكّل الخلاص للأمة مما يواجهها من تحديات وجودية تستهدفها حاضراً ومستقبلاً، سيما وأن النخب الثقافية والشارع العربي البعيد عن مؤثرات خطاب الفتنة والتضليل والخداع مازال يراهن عليها وعلى قيادتها التي أثبتت للعرب والعالم أنها الوحيدة التي أدركت مبكراً أبعاد ما جرى ويجري من استهداف للأمة واستنفرت رصيدها الوطني والحضاري كي تواجه ذلك المشروع وتحد من تأثيراته وصولاً لإلحاق هزيمة نهائية به وبأدواته ومروجيه ومستثمريه.