مساحة حرة

سورية … قدرهم أن يحاربوها وقدرها أن تسحقهم

ميشيل كلاغاصي

 

صحيحٌ أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود الحرب على سورية, من خلال مشروع السيطرة على العالم وإقامة النظام العالمي الجديد.. لكن يبقى هنالك من هو وراء الستار و يحرك المشهد والأحداث.. أيادٍ خفية وعقول وأدمغة, ومهندسو العالم الجديد وبناؤوه الأحرار وعائلات سلالات “الدم النقي”…. نعم هي الماسونية .

وليست الولايات المتحدة الأمريكية إلاّ أداة كغيرها وقد سُخرت لخدمة هذا المشروع مع مراعاة حجمها ومكانتها والمهام القيادية الموكلة اليها.

هو نظامٌ يفترض تغيير هوية العالم بالشكل والحدود والجوهر والطبيعة, وعليه كان الإنسان هو الهدف الرئيس بصفته قاطن الأرض وبانيها.. نظامً يعتمد على هدم كل هيكل وحجر وإنسان .. وإعادة بنائه بأدق الوسائل والأدوات ليكون الإنسان الجديد اللائق للعالم الجديد الكبير الموحد تحت راية واحدة ونظام واحد يرى كما يُراد له, ويصنع ما يُطلب منه, فلا توقفه روادع ذاتية أو أخلاقية أو حتى تعاليم سماوية.

نظامٌ ملحدٌ بامتياز تعتبر فيه تعاليم الأديان السماوية ومجموعة القيم الاجتماعية عوائق رئيسية.. وتكون امكانية وفرصة نجاح المشروع معها أموراً مستحيلة.

حقاً هو نظامٌ متوحش همجي ونظرية شيطانية.. لا يمكن لعاقلٍ ومؤمن أن يسير وراءها.. لذا كانت الحروب والدماء حلاً وحيداً والإنسان فيه هو المستهدف والهدف.. فاستُحضرت الأدوات.. واستُدعيت النسخ المشوهة للدين والإنسان.. وكُدس السلاح.. وجُهزت وسائل الإعلام ودُججت بأسلحةٍ واّليات غير مسبوقة عبر أقذر عملية تضليل إعلامي مُحسّن ومطوّر لا يعتمد مبدأ وجود فرضيتين أو وجهين للحدث الواحد, بل اعتمد على لصق المفاهيم والحقائق والوقائع بنسخ متطابقة في الشكل تماماً مع تضادها في الجوهر بشكل يجعل الناس لا يعرفون الحقيقة ويضلون تماماً فيما يشعرون أنهم مصيبون ويسيرون وراء قاتلهم وهم لا يدرون.. وحُضرت البروباغاندا وزُينت بشعارات وحُملّت اّمال وطموحات.. فكان “الربيع” ورياح “الحرية” والديمقراطية” و “الشعب يريد”…….

وانطلق المشروع بعد نضوج أدواته وتحضير مسارحه.. واعتماد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 شرارة البداية .

لقد كان الهدف الأول والأخير الوصول الى سورية.. لما تمثله من حالة سياسية مقاومة وحالة ايمانية حقيقية ولوحة فسيفسائية جامعة ورافضة لجوهر مشروعهم وأهدافه.. بالإضافة الى أنها مركز العالم ونقطة توازنه.. ولا بد لحربٍ على الأديان والقيم أن تبداً منها ومن ثم يكون الانطلاق الى كل أنحاء الأرض.

– ولكن لماذا سورية..!!؟

تعتبر سورية مركز الكون ونقطة توازنه.. ففيها كان النشء والبدء الأول, والعقل الأول, وفيها نشأت أولى الحضارات.. وفيها تعقّل الإنسان وتكلم وكتب وقرأ وزرع وصنّع أدوات حضارته ورسم ملامح هويته الإنسانية.. فاستحقت سورية أن تكون موطئ قدم الرب وعمود النور الذي يربط السماء بالأرض وكانت أهلاً لاستقبال رسائل الله واستيعابها وغدت خزان الرسائل السماوية و تكفّلت بإيصالها لاّخر أصقاع الأرض..

فمن أراد استهداف الهوية الإنسانية.. فلا بد له أن ينزعها من جذورها وفي أرض نشوئها.. لذلك كانت سورية الهدف.

والاّن وبعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف لم يعد خافياً على أحد أن الحرب على سورية متعددة الغايات والأهداف.. فالبعض يختزلها بحرب النفط والغاز, وبحرب الخرائط والحدود, وبحرب الوجود كما يراها البعض الاّخر.

لكن أعتقد أنه من الصواب إضافة هدف اّخر يمكن اختزاله تحت عنوان “الانتقام” لأصحاب المشروع و”انتقام الأغبياء” للدول التابعة وخاصة العربية منها.

– توازن الكون .. وكسره .. وتفاعلاته العكوسة …..

إن حفاظ سورية على أرضها ووحدتها ليس إلاّ حفاظاً على هوية المركز والنواة وهذا كافٍ لنصر الحق والحقيقة وضمان توازن الكون.

إن توازن العالم هو ضرورة أخلاقية وضمانة للتقدم والتطور البشري, وأن الحفاظ عليه طريقةٌ للوصول الى السلام الداخلي للدول والشعوب في انحاء العالم, وما الهيمنة والغطرسة الدولية إلاّ عنوان ووسيلة لكسر هذا التوازن.. لذلك كان لا بد للدول القطبية وللدول الكبرى حول العالم أن تتمسك وتدافع عن توازن العالم في سورية عن طريق الأمم المتحدة ومجلس الأمن والشرعة الدولية .. وهذا يلخص الدور الروسي والصيني وكافة دول محور الممانعة والمقاومة.

إن كسر نقطة التوازن لا يحدث فجأةً فلا بد من تحديد نقطة التصويب والضرب عبر الهز والخلخلة والحروب الباردة والعقوبات والحصار والاعتداء المباشر.

إن التوازن السياسي والوجودي للدول هو حالة ظاهرية ومفهوم ديناميكي يعبر في لحظة ما عن تساوي محصلة القوى المؤثرة وردود الأفعال .. فما تظهره الدولة السورية من توازن يدل على قوتها وقدرتها العالية على احتواء كل مراحل كسر التوازن المفترضة بما فيها الاعتداء المباشر.

ولا تسير كل التفاعلات (أشكال الحرب على سورية) بنفس السرعات فبعضها يكون سريعاً ويكون بعضها الاّخر بطيئاً وقد يستغرق سنوات لكي تتبلور نتائجه بشكل محسوس .. لذلك بشرنا الأمريكان بأنها حربٌ طويلة وقد تستمر لثلاثة عقود.

لكن وعلى ما يبدو قد فاتهم معرفة أن لهكذا تفاعلات .. تفاعلات عكوسة, الأمر الذي يعني امكانية سير التفاعل بالطريقة المعاكسة, وقد تتساوى سرعة التفاعلين كما يحصل الاّن نتيجة صمود الدولة السورية.

وبنفس الوتيرة وبهذا الصمود وبهذا الجيش الباسل .. ستزداد سرعة التفاعل العكوس وسينقلب السحر على الساحر .. وستنقرض مكونات التفاعل الأول (الإرهابيين على الأرض) وسيسود التوازن الجديد بما يعني من انتصار سورية لصالح الوطن والإنسان والإنسانية والقيم والأخلاق والدين .. والهوية.

إن الدولة السورية بتاريخها وحضارتها ورسالتها, وقيادتها وجيشها وشعبها تخوض معركة الإنسان على أرضها.. ونصرها نصرٌ للعالم أجمع.