سورية: نحن ماضون إلى النصر.. وأنتم إلى أين!!؟
بعد مرور أكثر من ستة سنوات على إطلاق ما سُمي “الربيع العربي” في منطقة الشرق الأوسط, وتحديدا ً في الدول العربية منه.. وبعد تكشّف وسقوط كافة الأقنعة, أصبح واضحا ً ودون أي لُبس ٍ أنه “ربيع ٌ الإخوان المسلمين” ليس إلاّ.. بعدما نسجت خيوطه أدمغة الصهيونية – الماسونية العالمية ليكون ممرا ً ومعبرا ً لتحقيق مشروعها الكبير في السيطرة على العالم, وإعادة رسم خرائطه والدفع بكافة الخرائط والمعادلات القديمة إلى الدخول في ذمة التاريخ.. تلك المعادلات التي ُأعتمدت من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى مطلع القرن الحالي, في سياق ٍ طبيعي يعكس المتغيرات وتراكم الأحداث السياسية, ويُترجم حقبة الربع الأخير من القرن الماضي والتي تلت سقوط وإنهيار الإتحاد السوفيتي في مرحلة ٍ جديدة تميزت بالقطبية الأحادية للسيد الأمريكي.
فلم يكن مفاجئا ً أن يخضع العالم إلى جملة متغيرات تعكس واقع التطور الكبير والهائل في التكنولوجيا, والذي ترافق بظهور الأزمات الإقتصادية الكبيرة وتصاعد المشاكل السياسية حول العالم, ودخول اقتصاديات الدول مرحلة التجمع والتكتل وظهور الكارتيلات الضخمة, الأمر الذي دفع الدول لإعادة حساباتها بشكل جذري لتتمكن من مواكبة العصر الجديد, وفائض القوة لدى بعض الدول.. فاتسعت مجموعات الدول الكبرى وتخطى عددها الدول الخمس الذي نصت عليها قواعد النظام العالمي القديم, الذي سمح لها بتقاسم المصالح والنفوذ, إذ لم يعد ممكنا ً تجاهل تنامي وصعود قدرات وإمكانات بعض الدول الصاعدة, فظهرت مجموعة الثمانية وتمددت إلى مجموعة العشرين.
كما أن سرعة تطور اقتصاديات الدول أدت إلى سرعة وتطور الصراعات السياسية والتي بقيت دون حلول بفضل الإدارة السيئة للقطب الأوحد, واعتماده سياسات مذبذبة بمعايير مزدوجة ممزوجة بالغطرسة والعنجهية والقساوة, تحت مظهر مخادع ادعى الواقعية والبراغماتية السياسية.. فكان الإصطدام بحدود موازين القوى السياسية والإقتصادية والعسكرية ماّل حتمي ..
لقد احتاج العالم تغيير الخارطة ولكن المفارقة كانت في اختيار طرق ووسائل واّليات التغيير لتجنب هزّ استقرار وأمن الدول وإبعاد شبح الصدام العسكري, لكن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورا ً سلبيا ً على مستوى الحوار والتفرد بالقرار وطريقة حل المشاكل, بالتزامن مع وجود شخصيات ك كوندي رايس وهيلاري كلينتون وبوش وباراك أوباما….. الخ. وكثيرون ممن تعاقبوا على مفاصل صنع القرار هناك.. فأتى التغيير تحت عناوين الدم والمخاض والقوة العسكرية عوضا ً عن الحلول السلمية, وإذ راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على عامل الزمن وأرادت أن تضمن تغييرا ً يضمن لها مصالحها لسنوات وسنوات, في أبشع استغلال لفائض قوتها وقيادتها للعالم كقطب ٍ أوحد ٍ ووحيد, الأمر الذي دفع بعض الدول والقوى لإظهار امتعاضها من إنتقاص حصصها وعدم إشراكها في إنتاج الحلول إلى الميل نحو التطرف والتفكير به كوسيلة ٍ لنيل ماّربها وتحقيق مصالحها.. وبذلك استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحصل على الخدمات “الجليلة” وصكوك الولاء والطاعة وطلبات الإنتساب لخوض أقذر أنواع الحروب اللا أخلاقية دون رادع ٍ أوحساب.. وشكلت فريق الحرب و”الربيع الإخواني” بمساندة تنظيم القاعدة والعديد من التنظيمات الإرهابية تحت عناوين الحروب الدينية القذرة لإقامة دولة الخلافة على الأراضي العربية, في الوقت الذي أصبح من المؤكد أنها مجموعات ولدت لتموت وصُنعّت لتحقيق الغرض من وجودها وليكون القضاء عليها بوابة النصر الأمريكي كمنقذ ٍ للعالم وقصة بطولة أمريكية لا تنتهي.
إن الدفع بالمشروع الإخواني لا يعني منحه الفرصة التي لطالما حلم بها, إنما للاستفادة من شراهته وشبقه للوصول إلى السلطة ليس إلاّ .. وبدليل الإطاحة به بعد إنتهاء كل مهمة ينجزها, ففي تونس اُطيح بالمرزوقي ولحقه مرسي في مصر, أما في سورية حيث استعصى المشروع وفشل على المستوى الداخلي, وانتقلت تداعيات فشله لتنقلب على أصحابه, ويتحول إلى فشل كبير أصبح فيه الأمريكان عاجزون عن متابعة رسم الخرائط كما يخططون ويشتهون.. ولم يسعفهم إبداعهم السياسي في كسر إرادة الدولة السورية والمقاومة اللبنانية والدعم الإيراني والروسي الكبير.. فلجأؤوا إلى الحفاظ على سخونة الأرض واستمرار استنزاف الدولة السورية وقدرات جيشها وصبر شعبها, عن طريق رفع وتيرة الإرهاب وزيادة دعم وتسليح المجموعات الإرهابية عبر أدواتها الحاقدة كالسعودية ودول الخليج وتركيا وفرنسا وبريطانيا و….. إلخ .
بدا المشهد بلا نهاية, والعالم متمسك بالحرب على سورية بانتظار إنتاج الحلول وصدور النسخ الأولى لخارطة العالم الجديد, وسط حرص الجميع في الحصول على أكبر حصة , في أعقد مشهد سياسي يشهده العالم, وعلى الرغم من يقين الجميع أن سورية باقية وتجاوزت كافة المراحل الخطرة وأصبحت مشاريع تشظيها وتقسيمها أضغاث أحلام, في الوقت الذي يتابع الإرهاب تمدده وتهديده لغير دول وشعوب, وبانتظار أوامر مشغليه للاتجاه نحو روسيا والصين ومصر ولبنان وغير مكان.
كان لا بد من إعادة تقييم المشهد حتى ممن تآمروا على سورية وأصبح نصرها مطلبا ً للعديد من الدول, وعقدوا آمالهم في القضاء على الإرهاب عبر سواعد جيشها البطل الذي ظل يقاتل الإرهاب لخمس سنوات وحيدا, وعوضا ً عن العالم ونيابة ً عنه.. لقد أوهم الساسة الغربيون شعوب العالم في بحثهم وسعيهم لإيجاد حل سياسي ينقذ سورية والسوريين من براثن الحرب اللعينة, فيما هم منشغلون في البحث عن إنقاذ مصالحهم ونفوذهم ومكانتهم في الخارطة الجديدة التي يرسمها صمود سورية وانتصارها.
كان من الضروري للقيادة السورية أن تحاول إختصار الزمن لتحقيق النصر, فكان طلب التدخل العسكري الروسي واقعيا ً وشرعيا, في الوقت الذي تشعر موسكوأنها بأمس الحاجة للقضاء على الإرهابيين قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى أسوار موسكو, بعد تكشف خيوط المؤامرة والمخطط الكبير.
كانت مدة ثلاثون يوما ً من التعاون العسكري المشترك السوري – الروسي, وعبر عمليات الإسناد الجوي الروسي كافية لتسريع خطى البحث عن الحل السياسي في سورية.. فسارع العالم لفتح قنوات الحوار التي ولد من رحمها لقاء فيينا الأول, والذي حاول بالحضور الدولي والأممي وعبر بنوده التسعة رسم ملامح الحل بالخطوط الأولية, ويعطي الفرصة الحقيقية بعد تكثيف الجهود والتعاون الدولي – وبتوفر النوايا الصادقة – أن يصل إلى الهدف المرجو.
اختلفت قراءات المشهد في فيينا, بين متفائل ومتشائم , فيما فوجئ البعض ببنوده, ومنهم من ذهب بعيدا ً ليعتبر أنه قد نسف كل ما سبقه من مؤتمرات ولقاءات (مؤتمرات جنيف , لقاءات موسكو, مؤتمرات أصدقاء سورية) .. وخال البعض وكأن يدا ً سورية قد خطت بنوده.
إن الإجماع على وحدة سورية, والحفاظ على مؤسساتها, هي دون شك نتاج ٌحصري لصمود الدولة السورية, بالإضافة إلى تشكيل حكومة وطنية واسعة التمثيل و…. إلخ هي أمور ٌ طرحتها الدولة السورية منذ اليوم الأول.
ولكن ما يلفت الانتباه هو الحديث عن دولة ٍ علمانية, ذات مصداقية وتتمتع بالشفافية المناسبة, وعن أحقية السوريين في الداخل والشتات ممارسة حقهم في الاستحقاقات الانتخابية .
ولا بد من تسليط الضوء على هذه العبارات والتي تحمل من التفسير ما تحمل..!!
– علمانية الدولة السورية:
الأمر الذي يعني أن تُحكم سورية عبر سلطة ٍ مدنية بحتة.. ووفق الدستور والقوانين المدنية التي يتوافق عليها السوريون أنفسهم, ما يوضح ويؤكد عدم رغبة العالم بوجود سلطة ذات طابع ديني أوأساس ديني للحكم, الأمر الذي ينسف فرضية إقامة دولة الخلافة أو ما شابه , وأقله الإعتراف بهزيمة مشروعها .. وهذا بحد ذاته يؤكد ما عرضناه في البداية عن استخدام العالم لشره وشبق “الإخوان المسلمين” للسلطة, دون إعطائه أية فرصة في الوصول إلى السلطة, كما حدث في تونس ومصر, ويبقى السؤال حول نجاح أردوغان صاحب المشروع الإخواني, فيكفي أن نقول أن أوروبا تعتمد على سورية في كبح جماح مشروعه, ومنعه من التمدد جنوبا, بمعنى محاصرته مؤقتا ً لحين إنكفائه عبر الداخل التركي بالإعتماد على تنامي وعي الشارع التركي .
– حكومة ذات مصداقية:
والتي تستقي مصداقيتها من قوة تمثيلها, ما يعني حصول شخصياتها على تفويض الشعب السوري بالوسائل الديمقراطية, التي تسمح بتشكيل الحكومة والمعارضة على حد سواء, وكأن المجتمعين في لقاء فيينا يقرّون بعدم مصداقية كل من قدم نفسه خلال الحرب على أنهم معارضون, ومن المثير للدهشة والغرابة أن يبحث العالم عن “المعارضة المعتدلة المسلحة”, الأمر الذي يسمح لنا بتوجيه السؤال لهذه الدول: هل يوجد في بلادكم “معارضون مسلحون”!!؟؟
– السوريون في الشتات:
لا بد من الإنتباه أن كافة قواميس العالم لا تحتوي على كلمة شتات وهي بالأصل تعبير يهودي مؤلف من كتلة ٍ متجانسة ٍ مبني على مفهوم مزدوج يجمع بين الانتماء القومي والديني الصرف أو الصافي.. وعليه يمكن تفسير شره الغرب لاستقبال النازحين واللاجئين السوريين, وفرزهم طائفيا ً وترحيل المكونات بعد فرزها إلى دول بعينها, بغية الحصول على كتلة متجانسة طائفيا ً, يجري العمل على استغلالها في الإستحقاقات الإنتخابية في سورية لاحقا ً.. فقد اكتشف وفسر الغرب ما حصل في الإستحقاق الرئاسي الأخير, إقبال السوريين بنسيجهم وتنوعهم الحقيقي على الاقتراع وبشكل طبيعي لصالح الوطن, وخلص إلى ضرورة الاستفراد بمكونات الشعب السوري كل ٌ على حدة .. نعوّل على وعي السوريين وعدم انجرارهم إلى هكذا مزالق, ونأمل عودتهم السريعة إلى الوطن.
بالتأكيد لا يثق السوريون بالإدارة الأمريكية وبكل حلفائها, في الوقت الذي يثقون بحكمة قيادتهم السياسية وعلى رأس هرمها سيادة الرئيس بشار الأسد, ويقفون وراء جيشهم الباسل ويرون فيه الأمل الوحيد لإعادة الأمن والسلام لربوع الوطن وتطهيره حتى اّخر ذرة تراب فيه.
ومابين غياب الأفق السياسي للإدارة الأمريكية, واستمرار اّل سعود في صب أحقادهم وعمالتهم في خدمة المشروع الصهيوني, وانجراف أردوغان إلى أقصى درجات التطرف وإنغماسه وراء كل المشاريع الشيطانية بحثا ً عن أوهام المجد العثماني الجديد, وما بين المواقف الهلامية للقارة العجوز, وتحول قادتها إلى دمىً سخيفة, وغياب الوعي العربي وصمته المخيف في ظل استمرار سفك الدم العربي في سورية والعراق وليبيا وفلسطين واليمن ومصر.. وبغياب التحرك الواسع للشعوب العربية للمطالبة بوقف تقديم دماء العرب كقرابين على مذبح الصهيونية وعملائها, قد نرى الشعوب الغربية تسبقها في تحركها كما فعلت إبان العدوان الأمريكي على العراق.. يبقى تعويل العالم العاقل على قوة وصلابة الجيش العربي السوري وحلفاء الدولة السورية في محور المقاومة لتكون السد المنيع للحفاظ على الإنسان والقيم الإنسانية.
وفيما سوريا تسير بثقة ٍ نحوإنجاز مهمتها, تطرح على العالم الشرير والحاقد سؤالها.. نحن ماضون إلى النصر .. وأنتم إلى أين ..!!؟.
ميشيل كلاغاصي