الشريط الاخباريسورية

سياسي لبناني: الجانب الروسي ناور بذكاء في سوتشي

يرى الخبير اللبناني في الشؤون العسكرية والسياسية الاستراتيجية عمر معربوني أن اتفاق سوتشي، بين الرئيسين الروسي والتركي حول إدلب، هو عملية دبلوماسية، عملها الأساسي هو نزع فتيل الحروب، وبالتالي الوصول إلى اتفاق يجنب إدلب المعارك العسكرية بين روسيا وتركيا، التي هي أحد أطراف الهجوم، وفي الوقت نفسه هي إحدى الدول الضامنة في لقاءات أستانا المستمرة.

معربوني ذكر، في لقاء مع وكالة “سبوتنيك”، أن هذا الأساس في البعد الإيجابي الأول لهذا الاتفاق، جنب عمليا منطقة إدلب خسائر كبيرة في الأرواح والأملاك وحقق جزءا من أهداف العملية العسكرية.

وأضاف بأنه من المتعارف عليه في العلوم الاستراتيجية أن المعارك الأهم هي التي نكسبها دون دفع كلفة عالية في الأرواح والأملاك، وبالتالي نحن في التوصيف أمام مكاسب متعددة.

بالنظر إلى جوهر الاتفاق عمليا، نجد أن هناك امتدادا جغرافيا كبيرا يبدأ من شمال حلب ويمر بريفيها الغربي والجنوبي وأرياف إدلب الشرقية والجنوبية، وصولا إلى مدينة مورك وكامل امتداد ريف حماة الشمالي إلى سهل الغاب وجسر الشغور، هذه المنطقة بعمق ما بين 15 إلى 20 كم تعني آلاف الكيلومترات المربعة، وبالتالي خروج الجماعات الإرهابية من هذه المنطقة وتسميتها منطقة منزوعة السلاح هو انجاز بحد ذاته، وكان من الممكن أن تكلف آلاف الشهداء لو قمنا بتنفيذ العملية العسكرية.

الطريق الدولي، من الحدود السورية التركية حتى مدينة مورك، سيكون ضمن نطاق المنطقة العازلة، وهذا يعني فتح الطريق من درعا إلى الحدود السورية التركية شمالا، ما سيساهم بشكل كبيرة في تقليص فترة المرور على هذا الطريق، وبالتالي له فوائد اقتصادية كبيرة.

الخبير العسكري أشار إلى أن أحد الأهداف المهمة بهذا الاتفاق، كان التملص من ضربة أميركية محتملة بذريعة شن عملية عسكرية في إدلب، وهو في الحقيقة مناورة سياسية ذكية من الجانب الروسي، وكل ما حصل بين بوتين وأردوغان كان بمعرفة الحكومة السورية، وبالتالي يحقق أهدافا سورية بحتة.

وأضاف بأن هذا الاتفاق لم يقدم تنازلات جوهرية ترتبط بالسيادة السورية، وإنما أتاح، ولو بعد حين، استعادة الجغرافيا السورية، اقله حتى اللحظة بجهود دبلوماسية وسياسية.

وبحسب معربوني، فإن لدى سورية مسارا كبيرا في الجانب المرتبط بالمناورة والمراوغة وكسب الوقت، إلا أن الأمور الآن اختلفت، فالمعركة فيما مضى كانت تخلص في مناطق بعيدة عن إدلب، كالغوطة الشرقية والجنوب السوري والقلمون الشرقي وأطراف البادية المختلفة، التي حررت، وبالتالي هامش المناورة أمام أردوغان بات ضيقا جدا، نظرا لأن نتائج العملية العسكرية تنعكس على تركيا سلبيا، بفرار عدد كبير من المجموعات الإرهابية والمشاكل التي ستأتي إلى تركيا من هؤلاء.

معربوني أفاد بأنه حتى اللحظة نستطيع القول أن تنفيذ الاتفاق هو المفصل الذي يمكن من خلاله اختبار مصداقية الجانب التركي في هذا الاتجاه، وبالتالي علينا الانتظار حتى العاشر من تشرين الأول المقبل، لتحديد الاتجاهات التي يمكن أن تسلكها هذه الاتفاقية، وما إذا كانت تركيا جادة وصادقة هذه المرة في تنفيذ المطلوب منها، أم أن الأمر يندرج ضمن المناورات المعهودة بالنسبة للأتراك.

الممارسات التركية السابقة على مدى سبعة عشر شهرا، وجر تركيا إلى أستانا بعد تحقيق هزيمة الإرهابية في الأحياء الشرقية لحلب، لم يكن بمقدور أنقرة حينها إلا تقديم تنازل سياسي هام، لكن هذا التنازل كان محدودا، لم يثمر في تنفيذ اتفاقات أستانا بالفصل بين الجماعات الإرهابية وتلك التي يسميها الغرب وتركيا بـ”المعتدلة”.

والآن اختلف الوضع تمام، إذ لم يبق لدى الجيش العربي السوري سوى إدلب لتحريرها، وبالتالي حجم الحشد العسكري الذي قام به الجيش، وطبيعة المتغيرات السياسية والعسكرية، أدركت من خلالها تركيا أن المسألة باتت قريبة جدا باتجاه الحسم، لذلك طلبت مهلة، حصلت عليها عمليا، ونتج عنها هذا الاتفاق، الذي الفرصة الأخيرة التي تمنح لتركيا للمساعدة في القضاء على المجموعات الإرهابية ومخاطرها.

وعن الهجوم الأخير على اللاذقية، والتسبب بإسقاط طائرة روسية، بين معربوني بأن هناك محاولات مستمرة من جانب الكيان وواشنطن، والغرب بشكل عام، لفرض قواعد اشتباك جديدة وتثبيتها، فكل المحاولات بعد إسقاط الـ”أف 16″ الإسرائيلية، منذ مدة، وتدمير 70% من الصواريخ الغربية والأميركية على سورية، يضعنا أمام اشتباكات وليس ضربات، وهذا بحد ذاته في المفاهيم والعلوم العسكرية يستدعي من الكيان الصهيوني المحاولات الجادة لإعادة تثبيت الهيبة “الصهيونية” التي تسقط يوما بعد يوم بشكل واضح.

ووفقا لمعربوني فإن هناك مجموعة من الردود التي يمكن أن تستخدمها روسيا لمعاقبة الكيان، منها سياسية ومنها عسكري تقني، بحيث يمكن أن تقوم روسيا الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بتزويد الدفاعات الجوية السورية، بمنظومات حديثة، ومن الممكن أيضا ربط هذه المنظومات الدفاعية السورية بمنظومة القيادة والسيطرة الروسية عبر الأقمار الصناعية والمنظومات الحديثة جدا، كما بالإمكان أن تذهب روسيا باتجاه إطلاق النار المباشر على أية أهداف جوية تقترب أو تدخل المجال الجوي السوري، فضلا عن مجموعة كبيرة من الإجراءات.

وخلص معربوني إلى القول، إنه في حال لم تعمد روسيا باتخاذ إجراءات قاسية تجاه الكيان، كما جرى مع تركيا، سنكون في مشهد غير لائق في روسيا، وباعتقاده فإن موسكو ستقوم بمجموعة من الإجراءات التي تحد من فاعلية العمليات “الإسرائيلية”، وهذا أمر سيكون له انعكاسا ايجابيا على الواقع السوري، وعلى المشهد في المنطقة بشكل عام.