مساحة حرة

صدمة «داعش» وترويع غزة ..؟!!

د. تركي صقر

لم تفرح قيادة الكيان الصهيوني في يوم من الأيام مثلما فرحت باجتياح الداعشيين ومن لف لفهم لمساحات واسعة من غرب العراق وشماله والاستيلاء على مدن كبرى مثل الموصل وتكريت والفرح الأكبر جاء عندما أعلنت “داعش”الخلافة الإسلامية وحين أعلن مسعود البارزاني تحضيرات الاستفتاء لإعلان انفصال إقليم كردستان العراق ما يعني تقسيم العراق وبداية تقسيم المقسم وتفتيت المفتت ونجاح المشروع الصهيوني بتمزيق الوطن العربي كله إلى كانتونات متناحرة ومتصارعة إلى أبد الأبدين  إذا استطاعوا..

ونضيف مثلما شكل تسونامي داعش المفاجئ صدمة جديدة وكبيرة للعروبيين والوطنيين وأصحاب المشروع القومي الوحدوي بعد صدمة الربيع العربي ذي الحمل الكاذب فقد شكل بالمقابل مفاجأة سارة وسعادة غامرة لكل أطراف المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة واعتبروه حاملا إضافيا لتحقيق هذا المشروع بزخم وحماس من السعودية ودول الخليج تحت شعارات طائفية ومذهبية يؤججها الكيد والعداء لإيران والمسارعة لانتزاع حلقة الوصل الجغرافية بين إيران ومحور المقاومة في سورية ولبنان وفلسطين مما يؤدي إلى إبعاد المخاطر الجدية المحيطة بالعدو الإسرائيلي على المدى المنظور ..

لكن فرحة هؤلاء بصدمة داعش لم تكتمل فسرعان ما جاءهم الترويع قويا وصاعقا من رد المقاومة الفلسطينية في غزة على العدوان الإسرائيلي السافر فانتاب القيادة الإسرائيلية الهلع والحمى لاختراق صواريخ المقاومين الفلسطينيين القبة الحديدية المكونة من صواريخ الباتريوت الأمريكية حيث وصلت إلى حيفا ويافا وعكا وعسقلان وتل أبيب وحتى ديمونة ومناطق حساسة أخرى في العمق  وعلى  بعد يتجاوز السبعين كيلو مترا كما حصل في قصف كتائب القسام لمطار” نيفا نيم ” بصاروخي m75ولا راد لها كذلك نجحت المقاومة في إطلاق صاروخ من عيار ام 302ملم على الخضيرة (شمال تل أبيب) التي تبعد حوالي 100 كم عن قطاع غزة. وتحدثت المصادر عن حالة صدمة أصابت الجيش الإسرائيلي والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في استهداف مناطق الى الشمال من تل أبيب وصولا الى أطراف مدينة حيفا وأن الصاروخ المستخدم في قصف الخضيرة، هو صاروخ سوري الصنع يتجاوز مداه الـ 150كمالأمر الذي أرغم حكومة نتنياهو على إعلان الاستنفار واستدعاء ما يزيد على أربعين ألف من قوات الاحتياط في خطوة غير مسبوقة منذ سنوات عديدة ..

يضاف إلى هذا عدة أمور محبطة للسعداء بصدمة داعش أو زلزال داعش كما يحلو لهم تسميته وهي:

1- امتصاص اندفاعة داعش الواسعة ومحاصرتها وقضمها تدريجيا ضمن خطة عسكرية محكمة اتبعتها القوات المسلحة العراقية وقوات التعبئة الشعبية مع استنفار وطني شامل جاء لصالح الدولة العراقية والتمسك بالسيادة ووحدة التراب العراقي وصحا شعب العراق على مؤامرة جديدة لاستكمال تدمير دولتهم الذي بدأه الغزو الامريكي بأدوات متوحشة هذه المرة وبشعارات إسلامية طائفية متخلفة وهذا خلق ردة فعل شاملة..

2 – بروز تعاون دولي لمواجهة داعش وتحسس مخاطرها إقليميا ودوليا وخوف واشنطن من عدم قدرتها السيطرة عليها بعد امتلاكها لعناصر القوة العسكرية والمالية والنفطية ووصلت اموالها إلى 2.5 مليار دولاربعد دخولها الموصلوبدأيتحول هذا الخوف من تعاظم سطوة الارهاب لدى الداعمين في السعودية إلى واقع بعد العمليات الإرهابية على الحدود اليمنية مما يعني أن أفعى لإرهاب التي احتضنونها بدأت تلدغ رأسها ..

3- توالي نجاحات الجيش العربي السوري في ضرب العصاباتالإرهابية والتضييق على إرهاب داعش وغير داعش في سورية وعلى حدودها وبروز ضرورة ماسة للتنسيق والتعاون بين القوات المسلحة السورية والعراقية فرضتها المعركة الواحدة والعدو الواحد والأخطار المشتركة على البلدين ..وهذا ما بدأيظهرمن خلال الضربات الجوية ..

4- فشل إدارة أوباما في ابتزاز إيران اثناء محادثات السداسية الدولية بخصوص ملفها النووي من خلال خلط الأوراق التي خلفها اجتياح داعش لبعض المحافظات العراقية بترتيب امريكي وتمويل ومساندة سعودية تركية قطرية واعترافت مرغمة بدور إيران المركزي في حل الأزمة العراقية واستحالة الحل بدون الحضور الإيراني ..

5- فشل إدارة أوباما في تصفية القضية الفلسطينية وخروج كيري من جولاته وزياراته إلى فلسطين المحتلة عشرات المرات صفر اليدين ومفاوضات كيري وما يجري في المنطقة من أحداث مضاد لقضية فلسطين جملة وتفصيلا لم يمنعا من بوادر انتفاضة ثالثة على الأبواب انطلاقا من غزة حذر منها جون كيري نفسه في رسالته إلى نتنياهو ..

6- مع عدم التقليل من خطر داعش والمجموعات التكفيرية الوهابية الأخرى فإن فضائيات الفتنة والإعلام الغربي صنعوا منها أسطورة لإيقاع الصدمة الكبرى في النفوس وتمرير ما خططوا له من صراع مذهبي يأكل الأخضر واليابس مع أن التقاتل الداخلي الدموي بدأ يفتك بهذه العصابات عموديا وأفقيا وقابليتها للبقاء مرهونة بإرادة رعاتها في الخارج فقط ..

في كتاب “سوريا , لماذا أخطأ الغرب ؟ ” للكاتب الفرنسي فريدريك بيشون يقول : الآن، وقد بات الإرهاب يطرق أبواب الغرب، فإن الأخطاء التي ارتُكبت بدأت تُعطي ثمارها الكارثية، وأن التغاضي عن تحركات قيادات مرتبطة بـ«القاعدة»، مثل الليبي عبد الكريم بلحاج، من ليبيا الى سوريا، ونقل أطنان الأسلحة بتمويل قطري من الموانئ الليبية إلى الأراضي السورية، صارت تلقي بظلالها الثقيلة. ظلال لا بد أن تدفع إلى تغيير مسارات الرياح.

ويضيف:الأسد باق، بينما «الدبلوماسية الفرنسية تعيش فشلاً ذريعاً سياسياً وإعلامياً، من شأنه أن يؤدي الى إضعاف الموقع الدبلوماسي لفرنسا». هكذا ينقل المؤلف عن الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية برنار سكوارسيني الذي سبقه إلى وضع كتاب آخر فيه من المعلومات ما يؤكد أن ما حصل في سوريا كان بالفعل أقل من انتفاضة وأكبر من مؤامرة.

المثير للقلق في الكتاب الجديد، هو أنفريديريك بيشون يؤكد  أن الحرب على الإرهاب طويلة، وأن الغرب الذي أخطأ في سوريا يقف عاجزاً اليوم أمام خطر هذا الإرهاب. وكأنّا به يقول إن الجيش العربي السوري هو الوحيد الذي استطاع صدّ هذه الموجة، ولا بد أن يعترف الغرب بهذه الحقيقة الساطعة آجلا أم عاجلا ..

على أية حال ما يجري في غزة هذه الأيام  ليس جديدا ولكنه حدث هذه المرة بقوة صاروخية للمقاومة لم يتوقعها العدو الصهيوني وأحدثت له صدمة هائلة ووصلت المنظومة الصاروخية المتطورة حسب تقديرات إسرائيلية الى 12 الف صاروخ يمكن ان تمطر الأراضي المحتلة كلها بمعدل 150 صاروخا كل يوم ولأشهر طويلة مما يجعل ملايين الإسرائيليين رهائن الأقبية والمخابئ .. والأمر البالغ الأهمية هذه المرة أيضا أن رد المقاومة جاء في ظل أوضاع عربية مزرية ظن العدو أن القضية الفلسطينية قد شبعت فيها اندثارا وموتا ومن هنا تكون أحداث غزة قد أعادت بوصلة الصراع إلى اتجاهها الصحيح نحو فلسطين وقضيتها المركزية رغم أنف أصحاب مشاريع الإرهاب التكفيري ودعاته ومموليه من أعراب النفط ..

tu.saqr@gmail.com