مساحة حرة

صعود المقاومة ضمان التحرير والبناء

نحن الذين نعيش في هذه المنطقة المتعَبة من العالم، وفي هذا الزمن الصعب، صرنا الأكثر خبرة ودراية ووعياً بأنه لولا المقاومة ثقافة ونهجاً لما كانت الأرض هنا على ما هي عليه، ولا كانت كذلك السماء والماء، والشجر والبشر والحجر. فالاستهداف الصهيو-أطلسي الرجعي العربي وحش كاسر بجرائمه التي نشهدها منذ قرابة قرن من الزمن، و«ختامها» جرائم الإرهابيين التي تعمّ اليوم المنطقة بأكملها.

نعم ختامها، لأن المقاومة صمدت وصعدت وفرضت حضورها وسيادتها في الجيوسياسيا الإقليمية والدولية مقابل انحسار وتقهقر دور خصومها، وجماهير شعبنا التي تدرك هذا لم تعد تُراهن كثيراً على أستانا وجنيف ونيويورك.

في العدد الأخير من مجلة Foreign Affairs الأمريكية ندد الصحفي الأمريكي ماكس أبراهمز في مقاله بتواطؤ الإعلام الغربي مع المتطرفين، وقدّم شواهد وأدلّة توثّق ذلك في مواقف عديدة من العدوان على سورية. وفي العدد نفسه كتب روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في دمشق أن بلاده لم تعد تملك خيارات جيدة في سورية، وكل خيار لها صار أسوأ من الآخر، ولاسيما بعد أن تأكد عزم الجيش العربي السوري على تحرير أرض البلاد بأكملها.. ماجعل “انتقال السلطة” في سورية أمراً بعيد المنال، وضرباً من الخيال.

مثل هذه الآراء تطالع الرأي العام العالمي كل يوم، وقد يكون أصحابها متألمين، أو من أصحاب الرأي الحر، أو واقعيين لا أكثر، ولاسيما أنهم يعملون في مؤسسات دول تناهض المقاومة والحق العربي. ومن هذا القبيل يعترف الباحث تشارلز غلاس في مقال كتبه في موقع ستراتفور  الاستخباراتي الأمريكي بهزيمة المشروع المناهض للنظام السياسي في سورية ويقول إن الرئيس«الأسد فاز بالحرب وأعداؤه مضطرون للعودة إليه».

صعود المقاومة صار حقيقة راسخة لشرعيّتها ولمشروعيّتها ولاستطاعتها اجتراح المعجزات، وعلى الغرب والرجعية العربية أن يعترفا ببدهيّة تاريخية مفادها أن استهداف  الدولة الوطنية لشعب حي يؤدي بالضرورة إلى تشكيل المقاومة روحاً أصيلة وثابة ظاهرة وكامنة لا تموت أبداً، وهكذا الأمر في فلسطين ولبنان والعراق وسورية واليمن، مقاومة يُراهن  عليها لصبغتها القوية ولامتلاكها مقومات الفعل والنجاح والاستمرار.

المقاومة هي التي هزمت التطبيع والاستسلام قبل أن تهزم الإرهاب والتطرف والتكفير، وستهزم الداعمين والمشغلين الكبار «الصغار».

والمقاومة هي التي استطاعت أن تهزم وحدة الهدف والأسلوب والمصير عند الأمريكان والصهاينة والإرهابيين من حيث التطابق في الشكل والمضمون: الهجرة، الاستيطان، الإبادة، العنف. وكما كان راسخاً المعنى الأمريكي لـ«إسرائيل» من حيث تأسيس كل من الدولتين على هذه العناصر الأربعة، فكذلك لدينا المعنى الأمريكي الصهيوني سويةً للإرهابيين ولاسيما لدولة الخلافة وجبهة النصرة من حيث الهجرة، وتهديم حدود الدولة الوطنية، والاستيطان في أرض الآخر وإبادته، واعتماد العنف سبيلاً أوحد.

وتغدو  المقاومة في هذا السياق بالضرورة تياراً تحررياً تقدمياً مستنيراً ومشروعاً تتسع فيه ومعه مساحة أمل الأجيال، وتصبح تفكيراً سياسياً جديداً، إضافة إلى كونها إنجازاً ميدانياً واعداً، وهي موقف تاريخي وطني وإنساني أصيل تتطلع إليه الأجيال الجديدة، فهي أكبر من أن تكون محوراًً، أو هلالاً كما يريد أعداء الشعب والوطن والأمة أن يسمّوها بغية تطييفها ونشر الفتنة.

فالمقاومة روح وطنية وعروبية وإسلامية راسخة عبر التاريخ الحضاري، وهي ثقافة تضمن بناء المستقبل الواعد الذي يحلم به الأبناء في مواجهة الأهداف المضادة.

بالأمس طالعتنا وسائل إعلام العدو بمشروع خطير، فكتبت يديعوت أحرونوت عن أهمية العمل الجاري على بناء جسر يربط آسيا بالقارة  الأفريقية عن طريق بناء مدينة المستقبل «نيوم» التي تخطط السعودية لإقامتها مع مصر وصولاً إلى الأردن، وأكدت الصحيفة أن هذا المشروع لا يتحقق إلّا بموجب معاهدة السلام مع مصر، وبعد الحل المخزي لإشكالية جزيرتي تيران وصنافير بين مصر والسعودية، وأيضاً بعد أن تمّ بحث الموضوع مع السعودية عبر القنوات السرّية. أليس هذا “هلالاً” للتطبيع والاستسلام والخيانة ويحتاج إلى مقاومة شعبية ويستحيل معه بناء مشروع أو تحرير وطن؟!

إن مقاومة المشروع الصهيوني ما كانت ولن تكون “هلالاً”. وخصوم هذه المقاومة كما أكد وزير خارجية قطر السابق بالأمس هم الذين دعموا الإرهابيين، وهم أنفسهم أصدقاء «إسرائيل» فذكر بالحرف قطر والسعودية وتركيا الدول التي قصدتها المعارضة تحديداً، ولهذا السبب لم تقصد الجزائر أو عُمان أو العراق أو السودان أو تونس، وهنا يتماهى المشروع الصهيوني مع المشروع التكفيري الإرهابي.

يأتي التطبيع مع العدو ليشكل دعماً للتطرف والتكفير والفتنة، فمع كامب ديفيد السادات نشبت الحرب الأهلية في لبنان، وجرائم الإخوان المسلمين في سورية، ووصول صدام حسين إلى الحكم…إلخ.

ولهذا لايكون قادة المقاومة رجال سلطة وحكم، وهم لايدخلون التاريخ من هذا الباب بقدر مايدخلونه لأنهم رجال مواقف وثوابت ومبادئ كما عرّف بهم الرئيس الأسد – وهو بشموخه واحد منهم – حين أوضح في مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين في 20/8/2017 كيف يكون “ثمن المقاومة أقل من ثمن الاستسلام”.

د. عبد اللطيف عمران