قصة بطولة

صقر الصحراء.. الشهيد البطل العقيد محسن

العقيد محسن سعيد حسين خضور (أبو حسن).. قائد صقور الصحراء وفخر المقاتلين في الميادين..

اُستشهد في حقل الشاعر أثناء أداء واجبه المقدّس في الدفاع عن الوطن وحمايته..

الرحمة كل الرحمة لروحه الطاهرة ولأرواح شهداء الوطن رجل حمل بين ثنايا تكوينه شهامة نادرة، ورجولة فائقة وانسانية عظيمه..

إنه محسن طاهر صانع انتصارات عديدة على ارض الوطن.

تعددت ألقاب العقيد محسن سعيد حسين بتعدد المواقع الجغرافية والسكانية التي حررها، والصفات التي اتصف بها، والمعارك التي خاضها على مساحة سورية، وهذه هي بعض ألقابه:

1ـ لقب أسد البادية: هو أسد البادية دون منازع؛ وقد حاز على هذا اللقب لجرأته وإقدامه.

2ـ لقب صقر الصحراء: لأنه سريع الانقضاض والورود إلى المعارك، لم يعرف الانسحاب، ولم يبالِ بحصار، وعلى جاهزية في أي زمن ومكان.. من البادية إلى حمص ومن البادية إلى أدلب وحماة واللاذقية، ومن البادية إلى المعابر كمعبري التنف والوليد وباب الهوى، إلى جانب حضوره القوي في حماية الطرق الدولية التجارية والعسكرية، ومن ذلك حمايته لطريق التنف اللاذقية، وطريق القريتين حمص وطريق تدمر حمص، وكل هذا من أماكن بعيدة تزيد على مئات الكيلو مترات، حيث لا مسافة مهما بعدت تثنيه عن هدفه… وقد أنتجت الفضائية السورية فيلماً تلفزيونياً عن الشهيد البطل بعنوان (صقر الصحراء) سلّط الضوء على بعض إنجازاته.

3ـ لقب القديس: وذلك نظراً لما تمتع به من أخلاق عالية، وصفات حميدة تجل عن الوصف، إضافة إلى ما كان يشاهده رفاقه بأم أعينهم من حماية ربانية في المعارك، فيتوصلون إلى أنه بلغ مرتبة القداسة.

4ـ لقب الأب: لأنه كان يتعامل بأبوية خالصة مع الجنود ويتقدمهم في المعارك، ولا يميز نفسه عنهم ويهتم بأمورهم كما يهتم الوالد بأولاده، وقد سأله أحدهم قائلاً: سيدي لماذا لا تذهب لترى أولادك، فقال : أنا في البيت أكون مع أولادي، وفي الخدمة العسكرية مع أولادي، إن أولادي موجودون معي أينما ذهبت.

5ـ لقب حمزة هذا الزمان: لأنه رمز التضحية والفداء؛ ولأنه كان الضابط الميداني الأول في الجيش السوري، ولأن شخصيته كبرت وخطفت الأضواء، وذلك رغم التعتيم الشديد على شخصيته، بحيث لم يُعرف إلا بعد استشهاده .

وفي تفاصيل الملحمة البطولية في معركة البادية السورية التي قادها شخصياً الشهيد العميد الركن محسن حسين ـ صقر الصحراء، يروي أحد الأصدقاء:

أنا لدي ضابط صديق مشترك بيني وبين الشهيد وقد قصّ لي احدى البطولات التي قام بها الشهيد قبل تشكيله لصقور الصحراء، وتحديدا ضمن الشهر السادس لعام ٢٠١٢ حيث توفرت معلومات للضابط الصديق عن منفذي الكمين الذي طال مبيت للطيارين الذي استشهدوا فيه. ومعلومات مكان تواجدهم.

وصديقي الضابط كانت خدمته في حماه.. وكان أمير الشهداء معاون رئيس فرع البادية للأمن العسكري.

اتصل الضابط بالعميد محسن حسين هاتفياً وأبلغه المعلومة المذكورة.. واتفقا على خطه يقومون بها سويةً للنيل من القذرين وقتلهم وقد كانوا متحشدين في قرية تقع شرق بلدة عقيربات.

واتفق العقيد محسن مع الضابط الآخر على تحديد موعد التنفيذ, ولكن الذي حصل هو أنه ولسوء شبكة الاتصال عبر التيترا أو الخلوي تم قطع الاتصال مع صديقي الضابط من أجل التحشد في السلمية لتكون منطلق الهجوم له عند عودة الاتصال.

ولكن الشهيد العميد محسن رحمه الله وعند عدم استطاعته التواصل مع صديقه الضابط الآخر.. قام بتجهيز قواته وقرر تنفيذ العملية بمفرده ومعه فقط ثلاثون بطل فركبوا ثلاث سيارات وبعد أن قاموا بتمويهها.. وتوجه ليلاً حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل وقطع مسافة ستين كم منها خمس وعشرون كم في مناطق يسيطر عليها المسلحين..

وصل هدفه الساعة الرابعة صباحاً  نفذ الهجوم بشكل مباغت  بقوة وشجاعة لا توصف وبعد ساعة من الاشتباك وهو وسط المسلحين تم تطويقه وعناصره.. ولكن بعد ان أذاقهم العلقم وحوالي الساعة الخامسة عادت شبكة الاتصال وكان الشهيد قد كلف أحد الأبطال بمتابعة الاتصال مع الضابط حين تعود الشبكة

فرن جهاز التيترا لصديقي الضابط و كان المتصل العقيد محسن حسين و أصوات الرصاص كثيفة.. فرد صديقي الضابط قائلاً : أبو حسن (العقيد محسن يدعى ابو حسن) و ينك يا رجل أيمت بدنا نتحرك, وشو هالرصاص الي عندك؟

ضحك العقيد محسن و قال له: المهة نفذت وأنا الأن في أرض المعركة ويحاولون تطويقي ولن انسحب حتى اقتلهم جميعا.. أطلب منك ان ترسل طائره لضرب الأعداء ومنعهم من التقدم وفعلا قام صديقي بنقل الرسالة وتم إرسال طائرة حربية وطائرة حوامة واتجه مع عناصره باتجاه الأبطال المشتبكين وكانت المسافة التي تفصلهم عن أرض المعركة حوالي خمس وعشرين كم.

وبالفعل عندما وصلت الطائرات فوق القرية فر المسلحون تاركين جثث قتلاهم وعند وصول صديقي الضابط الى القرية لم يكن فيها إلا (صقر الصحراء) وعناصره الأبطال وحوالي عشرة جثث للإرهابيين.

فتعانقا وهنأه بالسلامة وعاتبه لتنفيذه المهمة بمفرده مع علم العقيد بخطورة المهمة.. فأجابه الشهيد العقيد محسن وهو مبتسم:

أفادني أحد المخبرين بأن المسلحين قرروا المغادرة باتجاه الرقة صباحا فكان لابد من قتلهم. والاتصال فُقد معك… “شو بدك ياني نام واتركهم… لاوالله لا أستطيع.. فقررت التوجه مع هؤلاء الأبطال لتنفيذ المهمة والحمد لله نجحنا”.

ولد الشهيد العميد الركن المظلي محسن سعيد حسين في ناحية السيسنية التابعة لمنطقة صافيتا عام 1965 في بيئة قروية فقيرة ماديا ، وغنية معنويا وأخلاقيا ـ ودرس الابتدائية في ابتدائية السيسنية ، والإعدادية في مدرسة الدورة الرسمية، والثانوية في ثانوية الدورة، وثانوية رأس الخشوفة، وثانوية الشهيد علي يوسف في صافيتا، وهو متزوج وله ثلاثة أولاد ذكور: حسن 8 سنوات ـ حسين 7 سنوات ـ علي 5 سنوات.

سجّل بجامعة دمشق في كلية التجارة والاقتصاد، وعندما أتاه القبول في الكليتين الجوية والحربية اختار الكلية الحربية والتحق بمدرسة مدفعية الميدان بحلب ـ وبعد التخرج نقل إلى الحرس الجمهوري برتبة ملازم في الكتائب الأمنية، حيث قاد هناك سرية هاون، ثم تدرج في الرتب العسكرية فحصل على رتبة رائد ركن وهو من الضباط القلائل الذين نالوا الركن في هذه الرتبة، ثم تسلم دورات تدريب المعلم صاعقة، ثم كتيبة الإنزال الجوي.

وإبان الحرب الشرسة المفروضة على وطننا، وفي بداية الأحداث شارك في العمليات العسكرية بدوما ثم في القابون ثم في حرستا، وكانت له إنجازات عظيمة في هذه الأماكن، وبعدها نقل إلى فرع الأمن العسكري في البادية، وتسلم القسم الأمني والعملياتي فيه، إضافة إلى (نائب رئيس الفرع)، وفي البادية السورية كانت له إنجازات عظيمة.

قام بعمليات قتالية معقدة ونوعية بعدد قليل من الجنود والعتاد وخسائر تكاد لا تذكر. حارب منذ بداية الأزمة في المواقف الصعبة والأماكن الأكثر خطورة، وخلال عمله في فرع الأمن العسكري بتدمر فرض الأمن والسلام في كل أنحاء البادية، وقام بتأمين وحماية الطريق البرية الدولية من التنف على الحدود العراقية وحتى حمص كما أمّن طريق القريتين حمص، وهو محرر مدينة القريتين مرتين، ومدينة السخنة مرتين، ومعبر الوليد على الحدود العراقية، كما حرر مداخل تدمر ومزارعها وبسط الأمن في كل أنحاء البادية كما قام بتحرير مستودعات مهين وقرية مهين وكان له الدور الأكبر والبارز في تحرير كسب وقبلها النقطة 45 وتلة النسر والسمرا والنقطة 724 والقمة 53 مع شباب كتيبة من عناصر القوات البحرية التي كان قد شكلها… وكان يخطط لأن تكون فرقة مشاة بحرية.

وقد نفذ بكمائن كثيرة أوقع في صفوف المسلحين خسائر فادحة وخلال الهجوم الأخير على حماه ومحردة، خرج على رأس قوة من مركز تدريب اللاذقية وحرر مورك في ومنع احتلال محردة، ويضاف إلى ذلك تنفيذ كمائن على الحدود العراقية وفي البادية وكسب ومن هذه الكمائن: كمين مقبرة القريتين وكمين بئر اليوغسلافية، وكمين سد وادي أبيض، وقام بحملات كثيرة منها حملة طريق وادي الضيف وحملة عقيربات وحملة مفرق آراك والمحطة وحملة سد وادي أبيض… والحملات والكمائن عددها بالمئات ولا سبيل لحصرها.

وبعد أن أنهى تحرير مدينة كسب بمشاركة متواضعة من قوات الجيش عاد إلى دمشق فحارب في دوما، وخلال الغزو الأخير لحقل الشاعر قاد قوة قوامها 200 عنصر من السرية 215 ونزل في مطار التيفور في 31/10/2014 وقام بتأمين المطار بعمق 12 كم من كل جانب ثم تابع باتجاه مفرق حجار وجحها، وفي 5/11/2014/ حرر حقل المهر وتابع باتجاه بئر الماء وتلة البراجمة ومفرق عقيربات، ثم حرر حقل الشاعر في 7/10/214 في الساعة 17، وتابع فحرر البئر 103 و البئر 110 وانتشل جثامين الشهداء من البئر 109 … وبعد أن أنهى عملياته القتالية ذهب ليقدم المشورة والخبرة لقوات صقور الصحراء التي كان قد أسسها، وترك قيادتها من حوالي شهرين، وخلال تأديته لواجبه أصيب بطلقة قناصة غادرة وكان واقفا….. فاستشهد على الفور… واقفاً.

محسن1