الشريط الاخباريثقافة وفن

صناع الدراما السورية يتحدون الحصار ويجاملون السوق الخارجية

لا تزال الشركات الخاصة تمتلك حضورا كبيرا في الدراما السورية فهذه الصناعة التي بدأت حكومية بامتياز قبل أكثر من خمسين عاما جذبت رغبة رؤوس الأموال بالاستثمار فيها لتكون صاحبة الحصة الأكبر في كعكة الإنتاج على صعيد الكم على أقل تقدير.
وفي موسم رمضان 2015 تنوعت توجهات شركات الإنتاج في صناعة الدراما حسب السوق المتجهة لها وحسب آلية التسويق ودور عاملي الخسارة والربح إذ ركزت شركة سما الفن على معادلة الكوميديا في الجزء الحادي عشر من السلسلة الشهيرة “بقعة ضوء” والتي برزت فيها رغبة المخرج سيف الشيخ نجيب ومن معه من الكتاب معن سقباني -سامر سلمان – مازن طه- ممدوح حمادة والممثلين أندريه سكاف- فادي صبيح- رنا شميس- معن عبد الحق- أحمد الأحمد في إعادة الألق إلى العمل الكوميدي الساخر.
مفارقات بالجملة رصدها بقعة ضوء لهذا الموسم متكئاً على طرافة المجتمع السوري وقدرته على تجاوز الصعاب بالسخرية والتهكم على الواقع حيث تابع الجمهور لوحات أعادت مجد الكوميديا السورية بينما حافظت لوحات أخرى على إيقاع بطيء ولمحات كوميدية استقت موضوعاتها من تعليقات الفيس بوك ونشرات الأخبار لكنها بالمجمل كانت لوحات جريئة فنياً واجتماعياً وسياسياً.
ذات الشركة أنتجت مسلسل في ظروف غامضة لكاتبه فادي قوشقجي ومخرجه المثنى صبح والذي اتكأ أيضاً على تقنية الفلاش باك عبر ذاكرة امرأة “نسرين طافش” يتعرض أفراد عائلتها لحادثة قتل جماعية بينما تنجو هي لتعيد عبر قصة حبها الجديدة للشاب ميلاد يوسف ملابسات تلك الحادثة إذ نطل هنا على حالة الطبقة المتوسطة في المجتمع مقاربين بذلك مرحلة ما قبل الأزمة وهواجس لشخصيات تقع في الحب مثلما تجبرها نوازعها الشريرة على المضي أبعد في تمجيد الضغينة وإلغاء الآخر.
وعلى المقلب الآخر حضر الجزء الثاني من مسلسل دنيا لكاتبه وبطلته أمل عرفة حيث أطل الجمهور من خلال شخصيتي دنيا و صديقة دربها طرفة شكران مرتجى على مجموعة من الأسر السورية في ظل الأزمة ليحقق مخرج هذا العمل زهير قنوع هذا الجزء معولاً على كوميديا الابتسامة والتعليق الذكي محاكياً الواقع من زاوية نظر مختلفة نقلت التغيرات الجوهرية في بنية العائلة السورية.
وأعمال البيئة الشامية حضرت هي الأخرى من خلال الجزء السابع من مسلسل باب الحارة لمخرجه عزام فوق العادة ومسلسل بنت الشهبندر لمخرجه سيف سبيعي ومسلسل الغربال لمخرجه مروان بركات ومسلسل طوق البنات/2/ لمخرجه إياد نحاس حيث تراجعت شعبية هذه الأعمال إزاء مسلسلات آثرت الاشتغال على هموم الناس بعيداً عن الفنتازيا وتمجيد الماضي.
بدورها تقدمت أعمال الدراما العربية المشتركة المقتبسة عن أفلام عالمية هذا العام من خلال نسختين عن فيلم العراب رائعة الروائي ماريو بوزو والمخرج فرنسيس كوبولا حققها كل من حاتم علي والمثنى صبح إضافة الى مسلسل تشيللو لكاتبه نجيب نصير ومخرجه سامر برقاوي عن فيلم عرض غير لائق للمخرج أدريان لين ومسلسل 24 قيراط لمخرجه الليث حجو وفي هذه الأعمال الثلاثة شهدت الشاشة تغريباً كاملاً عن واقع المجتمعات العربية وتتويجاً لدراما خمس نجوم ليعتمد مخرجوها على صياغة المسلسل التركي المدبلج من ديكورات وأزياء باذخة وقصص عصابات كونية ورجال أعمال فاحشي الثراء وأسطرة رجال المافيا.
والشركات الخاصة كان لها حضور كبير في مسلسل بانتظار الياسمين لكاتبه أسامة كوكش ومخرجه سمير حسين حيث آثر كل من كاتب العمل ومخرجه تسليط الضوء على واقع المهجرين جراء الأزمة وقدرتهم على مقاومة ثقافة الموت بثقافة الحياة في ظل أصعب الظروف ليكون كل من غسان مسعود وسلاف فواخرجي وأيمن رضا ومحمد حداقي وصباح الجزائري وزهير رمضان ومرام علي في مقدمة أبطال هذا المسلسل ليروا حكايات عائلاتهم التي تجتمع في حديقة عامة في قلب دمشق.
أناقة بصرية لافتة أدارها الفنان حسين موازناً في طرحه بين مزاج السوق وهواجس الجمهور مبتعداً عن المباشرة الفنية ومعولاً أكثر فأكثر على دراما اجتماعية واجهت الحرب ومنعكساتها على شرائح كبيرة من المشاهدين إذ ظهرت الحديقة هنا كاستوديو جديد ومغاير وكمكان تتصاعد عبره وخلاله وحوله كل الأحداث متنافسة فيه قوى وجماعات ضغط اوجدتها الأزمة دون أن ينسى العمل الإطلالة على واقع الفساد وتجار الحروب كطبقة دخيلة على تركيبة المجتمع السوري وإيمانه المطلق بقيم المدينة في مواجهة قيم العصابات وبيع الإنسان.
بالدخول أكثر في خريطة الأعمال السورية التي تناولت الأزمة وآثارها أطل مسلسل عناية مشددة لمخرجه الفنان أحمد إبراهيم أحمد بقوة على شاشات العرض لهذا الموسم محيلاً النص الذي كتبه كل من علي وجيه ويامن الحجلي إلى مجابهة صادمة زاوجت بين تعرية قوى الفساد والعصابات المسلحة وتجار الأعضاء البشرية ناقلاً الكدمات النفسية وخلخلة القيم التي تعرض لها الإنسان السوري وسطوة جماعات السلاح والإرهاب التكفيري على المجتمعات المحلية.
وبرز في عناية مشددة ممثلون شباب تقدموا إلى واجهة الصف الأول من مثل حلا رجب، مهيار خضور، مصطفى مصطفى، محمد الأحمد، ريم زينو، مرام علي، يامن سليمان، يامن الحجلي، وآخرين ليكون عناية مشددة من أكثر الأعمال التي نجحت في تسليط الضوء على هوءلاء وتخليص الدراما السورية من سطوة نجوم الصف الأول مفسحاً المساحة لجيل الشباب كما جرت العادة في أعمال المخرج احمد والتي يبدو فيها الرهان واضحاً على الانتصار للدور الكبير لا الممثل النجم.
بدوره حقق مسلسل غداً نلتقي لكابته إياد أبو الشامات ومخرجه رامي حنا حضوراً لافتاً عبر قصص لمهجرين سوريين في بيروت مستنداً في ذلك الى تداخل الإنساني بالوطني ضمن كتابة متوازنة انتصرت للحنين كمادة أساسية في صياغة حواراتها ومشاهدها التي ابتعدت عن أجواء الفخامة نحو هموم الإنسان ومخاوفه وذلك عبر قصة حب جمعت كلا من وردة “كاريس بشار” مع شقيقين مختلفين سياسياً وحدهما حب امرأة تعمل في مصلحة غريبة وهي تغسيل الموتى.
ثنائيات عديدة حاول غداً نلتقي مناقشتها بعيداً عن السياسة منتصراً للحب والسخرية كبديل نهائي عن الكراهية وتكفير الآخر أو تخوينه ليكون المشاهد أمام مصائر لشخصيات هاربة تتداعى أفكارها وهواجسها في مدرسة قديمة من مخلفات الحرب الأهلية اللبنانية المكان الذي اختاره مخرج العمل بذكاء لتسليط الضوء على وحدة مصير شعوب المنطقة العربية في كل من سورية ولبنان وفلسطين.
هذا التجاوز لأزمة الدراما السورية عبر العديد من المشتغلين فيها داخل سورية وخارجها أعاد الأمل بعودة هذه الظاهرة إلى الحضور عربياً بعد الانكفاء الذي شهدته في الأعوام السابقة والحضور الخجول لها بعد الحصار الجائر الذي تعرضت مؤخراً المسلسلات السورية له لكنها في المقلب الآخر تطرح أسئلة أساسية عن جدوى مسايرتها لأخلاق السوق ومزاجه حيث حابت بعض أعمال هذا الموسم سوق العرض الرمضاني تاركة الأبواب مواربة في العديد من الأطروحات الفنية التي قدمتها ودون أن توجه أسئلة جدية عن حقيقة ما تتعرض له سورية منذ أربع سنوات ونصف السنة.
مجاملة سوق العرض ليست وحدها من مثالب دراما 2015 بل يمكن القول إن الخلط الواضح بين الواقعين الموضوعي والفني إحدى أبرز سمات هذا الموسم حيث تفتقر بعض الأعمال إلى معالجة فنية ونصية تعزز من حضورها كمادة درامية بينما تكررت وبغزارة في بعض الأعمال الأخرى موضوعات الخطف والعصابات دون مبرر درامي فعلي لوجودها بل لتصنيع ما يشبه “أكشن سوري” فقط للمراهنة على رفع نسبة الأدرينالين عند المشاهد فدخل في فخ المباشرة وتقديم جرعة عالية من العنف.
هناك ملاحظة مهمة أيضاً يمكن إيرادها على بعض الأعمال التي تحلت بنوايا حسنة من حيث تقديمها لشخصيات ورؤيا تنويرية لكنها لم تشتغل كفايةً لتحقيق مادة درامية بالمعنى الفني فافتقرت للكثير من التشويق بينما فقدت أعمال أخرى عبر إيقاعها الرتيب والبطيء القدرة على منافسة أعمال تقدم مقولات متخلفة فيما عولت أعمال أخرى على البروباغاندا والدعاية السياسية كبديل نهائي عن تحقيق خطاب درامي متوازن فأفسدت بذلك أطروحاتها الفنية.
بدورها وقعت معظم الأعمال في حتمية مناقشتها للأزمة دون الأخذ بعين الاعتبار تنوع الجمهور ورغباته وفق معادلة الفائدة والمتعة والتوعية فآثرت العزف على مستويات غرائزية كما هو الحال مع الجزء الثالث من مسلسل صرخة روح وتشيللو وسواهما من الأعمال التي تحاول موسماً بعد آخر تهديم قيم الأسرة العربية.