ثقافة وفن

صور

“كان عليّ أن اتحمل تكلفة ذهابها الباهظة جدا وكأنه قدّري ولا مفر لي منه!.

كان علي أن أخسر ما لا يعوض لا بالوقت ولا بالمال ولا بأي شيء أخر، كان علي أن أخسر ما يمكن تشبيهه بأن يستيقظ أحدكم فيجد نصف جسده قد ذهب! هكذا تماما. ضريبة باهظة ومرهقة للروح ولا يخفت ضجيجها بمرور الوقت، إنها تُذكر بنفسها وتتقدم بنفسها في كل يوم، في كل ساعة، في كل لحظة، وبين الشهيق والزفير أحيانا!.

المصيبة بعد هذا تكمن في الأماكن، تلك التي صارت ترفضني بدونكِ، هاتي قولي لي؟ كيف لي أن امشي وحيدا من ساحة باب توما حتى النوفرة ، وكيف سامشي لوحدي أيضا من ساروجا حتى اتستراد المزة وأنا مستغرق معك في حوار، أنا مغلوب فيه سلفا، وكيف اتوجه وحيدا من من دوار العمارة في جبلة، حتى قهوة “مرعب” التي نفضل معا من بين جميع مقاهي كورنيش جبلة؟ ثم ماذا علي أن أجيب عندما سيسالني الجميع عنكِ، من بائع الكرواسان حتى أبو شادي عنصر المخابرات الطيب الذي يعمل في أحد مقاهي المنطقة، ومن بائع الليمون المثلج مع الفودكا السرية، حتى قيمّ الجامع الأموي الذي اظنه كان واقعا في غرامكَ، هل تذكرين كيف نظر أليك وأنت تمشين حافية في فسحة الجامع، حذائكِ بيدك، وعلى جسمك “قضيب البان” تدلت العباءة التي اشتهت أن ترتديك.

أحيانا ابتسم لذكرى جميلة وقعت، كالمهرجان السحري الذي صادفنا في حار “الجورة” الساعة الثالثة صباحا، عندما كنا وحيدين تماما، ثم وفي لحظة واحدة اشتعلت الحياة في أحد الشوارع القريبة من مقام السيدة “رقية”، يومها ظننا أننا سكرنا من الفودكا والقبل المحمومة المحتمية بعتبة بيت من مطر غزير هطل حينها أيضا فجأة. اشرد في الذكرى قليلا، وأعرف بيني وبين نفسي أن كل هذا الثمن الباهظ الذي اتحمله في غيابك وحدي دون أن ابوح حتى بحرف واحد عنه لأحد، لأنك سري الأثمن، يستحق أن يكون ضريبة لذكرى كهذه معكِ فقط، فما بالك إن ذهبت بي الذاكرة إلى حيث كنت اقول لك : أنتِ جنتي، وإن كان ثمة جنة وليست مثلكِ في جغرافيتها وثمارها ومذاقاتها وروائحها البديعة ولطفها وأنوثتها، فأنا لا أريدها… إنه ثمن بخس وحق قدميك، أن اهدر عمرا أخر أيضا كرمى أي ذكرى عزيزة جمعتني بكِ يوما ما”.

تمّام علي بركات