ثقافة وفن

“عام طيب”… المكان في القصة

ليست قصة فيلم “عام جيد” أو “عام طيب” هي وحدها من يشد الجمهور لمشاهدة هذا الفيلم اللطيف والمصنف تحت نوع رومانس –كوميدي، رغم انسيابية القصة ووضوحها وبساطتها، فرجل الأعمال الذي يعمل كمقاول في بريطانيا ويقضي جل أوقاته في العمل، ستصله رسالة تخبره أن جده الذي تربى في طفولته في مزرعته الموجودة في واحدة من أجمال بقاع الريف الفرنسي، قد توفي، وعليه السفر لتسوية أمور التركة، يسافر بقصد تسوية الموضوع ببيع التركة كلها والعودة إلى بريطانيا مرة أخرى، لكن عدة مصادفات لم يحسب لها حسابا، كالحب مثلا، تقع، فيغير الرجل رأيه ويبقى في القرية مع الناس الذين يحبهم، هذا الفيلم العائلي بقصته الجيدة، ليست وحدها كما اسلفنا من سيجعل المتفرج، يتابع العمل أكثر من مرة، فالطبيعة الفرنسية التي جرت فيها أحداث القصة، دون أن تكون مضطرة لذلك، كما يحدث للطبيعة في أفلامنا، ستبهرنا وهناك حيث تجري الأحداث، سيقوم المخرج والمصور بجعل العالم يرى مشاهدا خلابة، لعالم ريفي، يقشعر بدن المشاهد من المدنيّة وعوالمها الاسمنتية المبهرجة، عندما يرى ويعيش تفاصيل ما يشاهد في لاوعيه أيضا، ولو تلك الجمالية البصرية فقط، والتي تظهر وكأنها هي البطل الحقيقي للفيلم، حقول خضراء على مد النظر، كروم عنب، جبال وتلال تغازلها أشعة الشمس الغاربة بحمرتها الباذخة، أشجار تتمايل مع غرر النسائم، ديكور بديع أيضا للقرية التي تم تصميمها، مع المطعم الذي تعمل فيه، حبيبة البطل، الفتاة السمراء التي تسر ضحكتها الناظرين.

هكذا إذا ودون مزيد تعقيد، قدم فيلم “عام طيب” فرجة بصرية يمكن وصفها بالجميلة على المستوى البصري، في قالب قصصي صحيح من البداية حتى النهاية، مع كوميديا ورومانس يتناوبان على شد العيون إلى الشاشة، خصوصا وأنها مشغولة بجمال الريف الفرنسي البديع، فما العسير بأن يكون لدينا أيضا صناعة سينمائية سياحية أيضا من هذا النوع في سينمانا؟ ما هو الأمر المعقد الذي لم تستطع فيه السينما المحلية أن تصنع لها جمهورا من غير المختصين والعاملين في الحقل ذاته حتى ولو كان في السينما السياحية، والتي هي سينما يجب أن تكتسح العالم، خصوصا أننا نملك أجمل “اللوكشينات” الطبيعية في العالم؟ هل الأمر منوط بالقصة؟ ربما، فالعديد من الأفلام التي تم تقديمها لدينا تعاني قصتها من خلل في بعض مفاصلها، رغم البراعة العالية للفنين المنفذين من مخرج ومصور يلتقطون أبرع اللقطات، ولكنها بلا مناسبة، وهكذا تكون القصة في مكان والفيلم في مكان، كفيلم “الأم” مثلا باسل، الذي كان بالإمكان صنعه كله في دمشق، فما هو الشرط الذي يجعل الأم تنتقل إلى القرية؟ حتى أن وجودها مستهجن من قبل البعض، وهكذا يحصل تضارب لدى المشاهد، بين جمال الطبيعة نفسها وبين القيمة العاطفية التي تحملها الأم برمزيتها وشخصيتها، خصوصا وأنها لو كانت تُعاقب فعلا، لما وقع لها ما وقع من أبنائها، وهكذا فوت سوء القصة الجمال المكاني للحكاية التي يمكن لها أن تحدث كما أسلفنا في المدينة، دون أن يتغير على القصة أي شيء!.

وقد يقول قائل، أن أفلام “عبد اللطيف عبد الحميد” جلها يدور بين أحضان الطبيعة، نعم هذا الصحيح، ولكننا نعود لطرح السؤال ذاته، عن مدى ملائمة القصة للمكان الذي تجري فيه، فالمكان ليس اعتباطيا في الانتقاء، إنه مقدس عند أهل الفن، فربما يستمر البحث عن أماكن تناسب القصة لشهور، الموضوع ليس سهلا، وهو يدخل في صلب هذه الصناعة كأنه قلبها النابض.

فيلم “عام طيب” مثال جيد عن تحقيق فيلم سياحي أساسا، محمول على قصة لطيفة تناسب جميع الأعمار من المتفرجين، أي أنها تناسب كل من يحب السفر ويريد أن يقصد جهة أحبها في الفيلم الأنف الذكر، ولكن من سيحب الذهاب إلى حيث دفن الأب ابنه في حفرة بعد أن حلق شعره على “الزيرو” وجعل الذباب يأكل عيونه؟ ومن سيزور إلى حيث تحترق الأحصنة البيضاء هكذا وبلا سبب وسط غابة، ليست معروفة إن كانت في سورية أو في الأمازون مثلا.

تمّام علي بركات