ثقافة وفن

عتبة الزمن…

عندما يصبح الاستمرار من أولياتك…ويغلب غريزة البقاء على سلوكك المعاشي ويحجب عن تفكيرك كل التفاصيل والثوابت والأشياء الذي كان من المفترض عدم الاستغناء عنها…تجد نفسك في سفينة لا شراع لها تتمسك بالحياة فقط،، هنا يفقد الزمن والمكان قيمتهم والخسائر الكبيرة تبدو تافهة أمام عنوان عريض هو النجاة والحياة …
ها قد وصلت إلى شاطئ الأمان الذي حطت رحالها السفينة ..
وجوه جديدة بملامح غريبة يفتقدون البؤس والشقاء الذي تعودت أن تراه في أهل مدينتك المنكوبة…مدينة الفل والقرنفل والريحان…
مدينة عريقة بعراقة التاريخ وجميلة بجمال الفن المعاصر وكأنها لوحة تداخل الأزمنة بتناسق مبدع…
جميلة هي…
لكن في مدينتي يكمن التاريخ بكل فصوله…
في مدينتي لا يزال الطفل يصارع على أنقاض منزله…
في مدينتي لا تزال العروس تلبس طرحتها وتزف لعريسها الشهيد..
في مدينتي الحضارة الذي هدمت لا تزال شامخة بأطلالها….
هذه الصور فقط تتدافع في ذاكرتك وأنت تتأمل هذه الرقعة في طور اكتشاف معالمها وعاداتها التي يستوجب عليك نسف الكثير من عاداتك التي ترعرعت فيها وشخصيتك التي كونتها….هنا القوة الوحيدة تكمن في كلمة التأقلم…لإدراكك هذا القوة تصب كل طاقاتك فيها وتعيد محاولات كثيرة للوصول إلى هذه الغاية والاستمرار…
الآن لا مكان للأشواق والحنين..
لا مكان للأحلام بعد أن اغتالوها وستجد أن مجرد الحلم أصبح حلما بحد ذاته..
لا مكان للشهوات…هنا ستتعود أن تكبح شهوتك على رغيف ساخن ربما أو على ثمرة فاكهة لتوفر على نفسك مصاريف أصبح من الكماليات بعد أن كان من الأساسيات…
هنا لا مكان لشمل العائلة التي طالما كنت تجتمع معهم لتملؤوا أرجاء المنزل بصخب ضحكاتكم ومناقشاتكم وحتى أحزانكم لان سفينتك لم تسع لهم فاختاروا مجبورين سفن أخرى ليتناثروا في أراضي الشتات…
هنا والآن،، يجتاحك برود مشاعر كرداء من ثلج محاك من برودة تلك الأراضي…
يغافلك الزمن ويسخر منك سالبا كل جميل صنعته وسعيت لأجله بمرحلة من مراحل حياتك…
وتنساب في هذا النهر مستسلما لجريانه إلى أن يجرفك على ضفاف الذاكرة المنسية ويلتحفك دفئ بلادك الذي تركته، كثوب مرصع بالشوق والحنين وتجلس طويلا لتستعيد ما تبقى لك من ذكريات الزمن الجميل…
وتكتشف انك لم تنس شيئا والنسيان لم يأتي كاملا، أنت فقط أوصدت على بابه بعدد هائل من الاقفال، إلا أنها استطاعت ان تتسلل بتلك الليالي القارصة على شكل شهقات لم تكن تعرف ماهيتها… وأن الزمن سلب منك أجمل سنين العمر بين الحلم والواقع، بين الحياة والموت هناك عمر ضاع.. وضاع معه الكثير..
لا شيء في القلب ولا في العقل ولا في اليد..
وتكتشف الأهم …
أن الزمن كان الرابح الأكبر وكنت الخاسر الوحيد…

هنيئا لك ما أخذته…
وهنيئا لي منفاي وتيهي على عتبتك يا زمن…..

ميرنا غالي

One thought on “عتبة الزمن…

  • وهنيئا لنا بك

Comments are closed.