مساحة حرة

فضائح ويكيليكس عن السعودية.. رسائل متعددة الأبعاد؟

ما هي الأسباب الكامنة وراء عودة موقع ويكيليكس للواجهة من جديد بعد كل هذا الغياب ومن بوابة االسعودية تحديداً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة الذي تلعب فيه السعودية مركز محور التخريب والتدمير الممنهج للمنطقة برمتها دون الوقوف على كارثية النتائج التي تبدو سوداوية أكثر من أي وقت سابق؟

من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس لعبة الغولف في برامجها السياسية، وتُخصص العديد من العصي البديلة حتى لا يتوقف المشهد، فموقع ويكيليكس واحد من تلك البدائل حيث شبهه البعض بشرطي البلدية الذي يُشهر المخالفة أو يُخفيها وفقاً لتوجيهات ورغبات رئيس البلدية (الـ سي .آي .إي)، حيث نشر الموقع وثائق قال: بأنها عائدة لوزارة الخارجية السعودية وللاستخبارات العامة في وزارة الداخلية في المملكة، وتحوي حسب الموقع على أكثر من نصف مليون وثيقة تم إرسالها من الخارجية السعودية الى دوائرها المنتشرة في العالم، حيث تم نشر حوالي سبعين ألف وثيقة، وسيتبعها الكثير، وأجاب مؤسس الموقع “جوليان أسانج” إن برقيات السعودية تميط اللثام عن نظام دكتاتوري لم يحتفل بإعدام /100/ شخص هذا العام فقط، بل أصبح أيضاً يُشكل تهديد لنفسه وجيرانه.. ويؤكد أسانج أنه لا تزال المملكة، الحليف الأول للولايات المتحدة والمملكة البريطانية المتحدة في الشرق الأوسط، ويعود ذلك لامتلاكها أكبر احتياطي نفطي في العالم، كما انها أكبر مستورد للأسلحة في العالم.. تمتلك سجل شائن في مجال حقوق الإنسان ”

ولكن لماذا يتم فضح السعودية الآن وعبر هذا الموقع المشهور؟ وما هي الرسائل التي تحملها الفضيحة، وما هي اتجاهاتها؟

الإجابة على كل هذه الأسئلة وغيرها تُحدده محصلة مجريات الأحداث المتلاحقة على ساحة المنطقة ومنعكساتها الدولية، وما تسببت به هذه المعركة المركبة من نجاحات غير متوقعة لسياسة الحلف المعادي للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ممثلاً بروسيا والصين ودول مجموعة البريكس، وما حققته سورية وحلفاؤها في محور المقاومة من إنجازات ضخمة في مواجهة الحرب القذرة التي فُرضت بقرار امريكي صهيوني لتدمير المنطقة انطلاقاً من سورية والعراق ولبنان، وأهمية منعكسات هذا الصمود على الساحة العالمية، حيث ظهرت بداية النتائج بتحقيق التوافق الدولي على الملف النووي الإيران وفق الرغبة والشروط الإيرانية، وهذا بحد ذاته هزيمة للمشروع الأمريكي الذي تبنت تنفيذه سلطة آل سعود في مملكة الرمال وأتباعها في الخليج النفطي وقدموا أموالاً طائلة دون تحقيق أية جدوى فعلية على الأرض، وبالتالي استشعار الولايات المتحدة ومحورها مدى خطورة الاستمرار بنفس السياسة العرجاء والاعتماد على السعودية التي انتهت صلاحيتها كقائد لمحور العمالة في المنطقة، ومن جهة أخرى تحميل مجمل هذا الفشل لوزير الخارجية السابق سعود الفيصل الذي سيطر على إدارة الشؤون الخارجية للملكة أربعة عقود متواصلة كانت حافلة بقضايا الفساد المالي والأخلاقي، وبقاء الأمل بدور جديد للمملكة فيما لو تمكنت من إجراء تعديل شامل على هيكلها التنظيمي متجاوزة العرف السائد في الحكم.

ما يؤكد هذه الرؤية هو إعطاء الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر للنظام الجديد في السعودية بالانفتاح على روسيا وعدم قطع شعرة التواصل لاستثمارها في مرحلةٍ قادمة لو اقتضى الأمر ذلك، مع التأكيد على خطوط محددة لهذا التواصل يُمنع تجاوزها، وستواجه السعودية مصيراً أسود فيما لو تم تجاوز تلك الخطوط والخروج عن الإرادة الأمريكية.

إن اللعب على وتر الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هو إلا مجرد بروبغندا مكشوفة ومفضوحة، يُراد منها تذكير الرأي العام الغربي والأمريكي خاصةً بأن الإدارة الأمريكية وحلفاءها غير راضين عن استهتار النظام السعودي بحقوق الإنسان بعد الانتقادات الواسعة التي تناولت هذا الجانب في وسائل إعلام متعددة، على الرغم من أن السعودية بأموالها الضخمة تُسيطر على امبراطوريات إعلامية ضخمة فيها أقلام مشهورة لكنها مأجورة وهي تقوم بالتغطية على دور السعودية في نشر الفكر الوهابي الذي يُعتبر مصدر التشريع والفتاوى لدى كل التنظيمات الإرهابية في كل أرجاء العالم دون استثناء، كما تتبنى هذه الأقلام التغطية على سياسة المملكة ومنهجها المتخلف الذي يلحق الأذى والضرر بحق سكانها وبحق جيرانها.

وأهم رسالة يُمكن قراءتها جراء تلك الفضائح هو حالة التخبط والفوران داخل الأسرة الحاكمة، حيث هناك رائحة أموال سعودية من داخل البلاط الحاكم وراء نشر تلك التسريبات التي تُعطي مؤشر لبداية صراع الثيران ضمن الأسرة الحاكمة والذي قد يؤدي إلى هلاك نظام آل سعود إلى الأبد …

 

محمد عبد الكريم مصطفى