مساحة حرة

في «الانتقال ».. إلى السياسي

نعم، انتصر الشعب السوري على التكفير والتطرف بشجاعة القائد الأسد وحكمته، فانتصر ميدانياً على الإرهاب، وعلى هذا الشعب أن ينتقل من الانتصار في الميدان إلى الانتصار في الأفكار وفي العقول، فينجز الانتصار المجتمعي  الذي يجب أن تحققه  مؤسسات الدولة الوطنية، وهي لاشك قادرة على ذلك.

من هذا القبيل أعرب الرئيس الأسد خلال القمة التاريخية مع الرئيس بوتين أول أمس في سوتشي عن «استعداد سورية للعمل مع كل بلد مستعد للمساهمة في الحل السياسي طالما أنه يعتمد على السيادة السورية والقرار السوري».

وبالمنطق وبالتاريخ، فالمنتصر يرسم ملامح المستقبل، وبالمنطق نفسه يجب على الخاسر أن يستسلم لخسارته إذا كان فيه بقيّة من العقل أو الوطنية أو الإنسانية «واجتماع الرياض حتى الساعة يدفع  إلى الشك في هذه البقية».

في الساعات الأولى التي أعقبت زيارة السيد الرئيس إلى سوتشي بدأت بعض الأطراف تروّج للحديث عن «عملية الانتقال السياسي» ومرجعياتها ومصادرها في المجتمع الدولي، لكن ذلك سرعان ماتبدّد واتضح بقوة وجلاء أن أحلام الواهمين مجرد أضغاث لا حقيقة وراءها، فما جرى من حوار بين الرئيسين الأسد وبوتين كان الهدف منه هو كما أعلن الرئيس بوتين «المهم الآن هو – الانتقال إلى العملية السياسية – في سورية وأن روسيا تعمل مع الجميع في هذا الصدد».

فلا شك في أن صمود سورية وانتصارها شعباً وجيشاً وقائداً يجب أن يقترن بدحض مبدأ الانتقال السياسي، وإن كان هناك من دعوات إلى تقديم تنازلات من مختلف الأطراف فلمن تُقدَّم التنازلات؟ إلى المجرمين والخونة، إلى الإرهابيين، إلى المرتزقة والمأجورين الذين تاجروا بالأرض وبالعرض وبالشجر وبالحجر؟!

إن كل من سمع الاعترافات الواضحة لوزير خارجية قطر السابق والتي اعترف فيها بخطأ المجتمع الدولي بحق سورية، وبعمل هذا المجتمع على وضع قائمة أسعار للعمالة والخيانة: كذا للمجند وكذا للضابط وكذا للمسؤول… وبعد ذلك خسرنا «الصيدة»، كل من سمع ذلك يعرف أنه لن تكون هناك تنازلات تتعارض مع سيادة الدولة السورية وقرارها الوطني. هذا مبدأ لا تنازل عنه أبداً، فالدماء الطاهرة للشهداء البررة لن تجف، وستبقى جرحاً نازفاً فاغراً على مدى الأيام تستصرخ الوطنيين للثأر من الخطَأة المجرمين بحق الشعب والوطن.

نعم، سورية منذ اليوم الأول في الأزمة دعمت الانتقال إلى الحل السياسي وأكدت عليه وهي تواصل دك معاقل الإرهابيين ومشغليهم، لكننا واجهنا ومع الأسف والحقيقة والواقع مجتمعاً دولياً يكتنف الانحطاط أغلب أطرافه، مجتمعاً استبدّ بقراراته المال السياسي الرجعي العربي، ومع صمودنا تبعثرت أطراف هذا المجتمع، وبدأت تتقلص أعداد مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» مما يزيد عن المئة إلى أن وصل العدد إلى 11 دولة حائرة وخائرة أيضاً.

حسناً فعلت سورية حين قدّمت «المشروع الوطني للإصلاح» في كلمة الرئيس الأسد في 6/1/2013 يومها والذي بُني على ثلاث مراحل، وجسّد الانتقال إلى العملية السياسية بكل وضوح وتفصيل، لكن أحلام الواهمين يومها كانت جامحة بطموحاتها الشيطانية، فخابت الأحلام وتضاءلت الطموحات. ومع التقدّم الميداني والسياسي والمجتمعي، ومع هزيمة التكفير والإرهاب وانشغال الرجعيين العرب بأزمات الحوار وبالأزمات الداخلية – النظام السعودي يقاتل اليوم في السعودية أولاً وفي اليمن وقطر وسورية ولبنان.. مع هذه الهزيمة قد لا يحلم هؤلاء بأحسن مما طُرح في 6/1/2013 حين قال القائد الأسد: «نحن لم نرفض يوماً الحل السياسي عبر دعامته الأساسية وهي الحوار الوطني الذي يدفع سورية إلى الأمام، لكن مع من نتحاور؟! هل نتحاور مع عصابات تؤتمر من الخارج؟؟… سنحاور كل من خالفنا بالسياسة وكل من ناقضنا بالمواقف. وإيماناً  منّا بضرورة الحوار بين أبناء سورية».

إذن، لن يكون الانتقال إلى العملية السياسية، وإلى الحوار القادم، وإلى التنازلات المتبادلة مُقلقاً، ولا سبيلاً إلى بناء دولة هشّة، ولا إلى طائف جديد، فلا مجال أبداً لانتزاع البعد العقائدي الوطني العروبي للجمهورية العربية السورية، هذا البعد الذي لا يمكن أن تقوم الدولة السورية وتستقر إلا على أساسه. ومن هذا المنطق رحّبت أمس الحكومة السورية بالبيان الختامي  لقمة سوتشي الثلاثية لما فيه من استكمال للقمة الثنائية قبله، ومن «تنظيم المسار السياسي للأزمة».

اليوم تقبل سورية طواعيةً الانتقال إلى السياسي بعد انتصارها ميدانياً، وهي تحضّر نفسها لريادة وقيادة تيار أو نهج وطني عروبي تعمل باقتدار على توسيعه خارج حدودها ليعمّ الشارع العربي، وهذا ما كان واضحاً في كلام القائد الأسد أثناء استقباله المشاركين في الملتقى العربي بدمشق يوم 14/11/2017 وتأكيد سيادته على مجابهة تحديات أساسية خمسة تتصل بالعلاقة بين العروبة والإسلام، والصلة بين القومية العربية والقوميات الأخرى، وبالأداء السياسي السيئ لبعض الدول العربية، وبالعلمانية والدين، وباللغة العربية.

واليوم أيضاً نحن مدعوون جميعاً إلى تعزيز تماسك الجبهة الداخلية، وإلى توطيد تلاحم كافة القوى والأحزاب والمنظمات والتيارات الوطنية، وإلى «عدم الاجتهاد في التنظير» بما لا يخدم استثمار الانتصار في الانتقال إلى العملية السياسية المنشودة وطنياً وعروبياً.

 

د. عبد اللطيف عمران