مساحة حرة

في مستقبل الحرب الرجعية ـ الغربية ضد الدول والجيوش الوطنية العربية

بعد اقتراب المؤامرة الدولية من استكمال سنتها الخامسة على المنطقة العربية، فيما أسمي تجاوزاً (الربيع العربي) بذرائع الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية الخ، فيما هو يستهدف الدول الوطنية الأكثر حرية والتزاماً بحقوق الإنسان والديمقراطية نسبياً، وبالقياس لدول الرجعية العربية؛ التابعة للإمبريالية؛ التي مولت الحرب على هذه الدول وجندت المرتزقة وسخرت الإعلام وقوة رأس المال ضد الدول العربية الوطنية غير التابعة؛ التي ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني وتدعم المقاومة، وغير مدينة كـ سورية وليبيا.

كما وُجهت المؤامرة ضد دول تمتلك مقومات وصفها بذلك، ولها جيوش قوية كـ مصر، أو التي تمتلك مقدرات مهمة تقيم على حوافي دول رجعية لا تمتلك من أمر قرارها السياسي شيئاً كالعراق، أو دولة استراتيجية تتحكم بمضيق باب المندب ولها أراض ما تزال محتلة من دولة مجاورة، وترفض إعادة التقسيم كـاليمن، أو دولة، لا بد أن ينفجر فيها الربيع العربي وتكون لواشنطن فيها “مونة ” التنحي السهل بما يغري على التغيير في أماكن أخرى، كعربون صداقة أمريكي يقدم لـ مكتب الإرشاد العالمي كـ تونس.

وهكذا وجدنا الدول الأقل ديمقراطية وحرية وممارسة لحقوق الإنسان، لكنها (دول) تابعة سواء كانت فقيرة أو ثرية، تجند وتدرب وتمول وتسلح وتبذخ بكل أصناف التخريب وزرع الفتن، مستخدمة قوى ظلامية جهالية إرهابية متطرقة مسلحة، من بقاع الأرض قاطبة، فأحلت ما حرم الله كـ الزنا تحت مسمى جهاد النكاح فيما هو دعارة ظاهرة معلنة بيّنة، وأحلت قتل غير المقاتلين واغتصاب النساء وسبيهن وتخريب الزرع ومعالم الحضارة، وتقديم صورة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها غبية، وزرعت الفتن بين أبناء الوطن الواحد، واستبدلت الصراع من صراع بمواجهة العدو الصهيوني إلى صراعات مذهبية وطائفية وإثنية بين أبناء الوطن الواحد، مانحة الكيان الصهيوني فرصة تهويد كيانه العدواني، بمذهبتها وتطويفها الصراع.. وإشغال الأمة في صراعاتها الداخلية، بدلاً من مركزته ضد هذا الكيان الغاصب، ومنع تمدده الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية.

كما عملت الرجعية العربية على حرف بوصلة الصراع، باتجاه صراع أقل ما يمكن ان يقال فيه أنه ليس وقته ولا مكانه ولا مصلحة في تحريكه، باعتباره حافظ لميزان القوى الإقليمي من أن يختل لصالح الصهيونية والرجعيتين العربية والعثمانية والغرب بعامة، بتحالفها ضد إيران وبث ما يسيء ويعمق الخلاف معها ، في وقت أشد ما تكون فيه الأمة، بحاجه لتوسيع (جسر العبور) كما قال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لسياسيين العرب في 28 نيسان 1996 .

أقول بعد هذا الإيغال المسرف في الصراع وحرف مساراته ومآلاته، هل يمكن للمستفيدين من الاستمرار فيه (في ظنهم) والمخططين والمنفذين له، أن يتوقفوا، أو أن يعقدوا تحالفات مختلفة، كأن يتحالفوا مع دول عربية وطنية وجيوشها في سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن لإسقاط الإرهاب بكل الحزم المطلوب والضروري، ليس فقط لأجل وضع حدٍ لهذا الإرهاب لصالح الدول المستهدفة به، ولكن لأجلها هي أيضاً.

لا بد أن تورط الدول التابعة في الحرب على الدول المشار إليها بأشكل وحدود مختلفة، لن يتوقف، فالتورط أصبح غير قابل للعودة عنه، حتى لو أرادت القوى العظمى كواشنطن ولندن وباريس وبون، غير ذلك لاعتبارات تتعلق بمصالحها، وإدراكها المحتمل المتأخر بان مقاصد هذه الحرب غير ممكنة التحقق، بل يضر بمصالحها المباشرة، وينقل الصراع إلى دواخلها، فضلاً عن الكراهية التي سيسببه تدخلها في الشأن الداخلي العربي بانحيازها ودعمها لقوى الثورة المضادة في المنطقة العربية.

من هنا، فإن حل الصراع من خلال مراجعة ذاتية للقوى المحركة للثورة المضادة، وتخليها عن تورطاتها، غير ممكن، سواء بالانخراط في تحالف عسكري جديد، دعت إليه روسيا، أو نزعوا للسلم والحلول السلمية للصراعات في الدول العربية، التي تدار على أراضيها الحروب بأشكالها كافة .

هذا يعني أن الصراعات على الأرض العربية وبخاصة على الأرض السورية والعراقية والليبية واليمنية، مستمرة، حتى تدمير قوى التدمير واستسلامها، سيكون ذلك مكلفاً، لكنه خيار هذه البلدان الوحيد المتاح على صعيدها المحلي الوطني وعلى صعيد حلفائها.

أما خيارات الدول المحركة للعدوان والتدمير والتآمر ، فهي إلى ضيق وأكلاف متزايدة وانتقال العدوى والكراهية إلى أوكارها، وتذمر شعوبها من مغبة إنزلاق انظمتها الى حروب لا مصلحة لها فيها ، بل تضررها من استمرارها.

لا حلول سلمية للصراع، بل حلولاً عسكرية مهما طال أمد الحرب، وستكون خيارات دول التبعية، في أحسن الحالات التوصل إلى ترتيبات بأقل قدر من الخسائر وفضائح الهزيمة، إن أدركوا مآلات استمرارهم في طريق مسدود وتداعياته على دواخل كياناتهم، في وقت مناسب، ولن يجدوا مساندة دول عظمى طالما تبعوها، فمصالحها أولاً وآخراً ولن يغامروا بها، بسوء تقديرات التابعين لهم مهما (علا) شأن تبعيتهم ، فالتابع لا شأن له عند تابعه.

محمد شريف الجيوسي – عمّان