مساحة حرة

قوافل الموت المجاني.. وتجارة الأحلام !!

كما في كل الحروب، هناك سقوط محتم لضحايا أبرياء تذهب حياتهم وممتلكاتهم وكل ما يخصهم خسائر حرب لا يعترف بمسؤوليتها أحد ممن يستخدمون السلاح كلغة وحيدة للحوار، ويُصبحوا فيما بعد هؤلاء الضحايا مجرد أرقام في كتب التاريخ، وتتحدث عنهم المنظمات الإنسانية والدولية وغيرها كأحداث مرّت لا قيمة لها سوى أنها قضايا جرمية عبرت على جسور السياسة المتبدلة وسجِّلت ضد مجهول أو يتم تلبيسها لأشخاص يُراد الإنتقام منهم، ويبقى المنتصر هو الوحيد الذي يحق له تدقيق التاريخ وتوزيع التهم وفق مصالحه التي أجازتها وشرعنتها له نتيجة المعارك.

في كل يوم نسمع عن قوافل موت جديدة قضى أبطالها غرقاً أو دهساً أو في شاحنات جمع الجثث المبهمة في طريقهم نحو العالم المتحضر بحثاً عن الأمن والآمان، وهروباً من قذائف الغدر وفتاوى التكفير الإرهابي الظالم، وتمسكاً بالأحلام الوردية التي يُصيغ تفاصيلها تجار الرقيق بدقة متناهية، وهم يُصورون الحياة الحالمة تحت ظل قوة اليورو والدولار بعيداً عن مستقبل الليرة المتدهور يوماً بعد آخر بفعل فاعل ضد الخير، فيبيع هؤلاء كل ما بقي عندهم له ثمن من أجل دفع تكاليف رحلة الخلاص، وبعد أن وصل عدد ضحايا مجازر تجارة التهجير إلى أرقام ضخمة، وتحولت قضيتهم إلى مادة يومية للتداول الإعلامي، السؤال الذي يفرض نفسه هو: أين دور منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المختصة بهذه القضايا في مواجهة هذه الجريمة الموصوفة؟ وما هي مسؤولية الحكومة السورية ودورها المفترض لوقف عمليات التهجير الفوضوي ومنع استمرار قوافل الموت المجاني للسوريين؟

يجب أن نقر بأن الشعب السوري بأكمله وقع ضحية عدوان غادر ومركب حمل في بدايته الكثير من الإغراءات الكاذبة والدعايات الإعلامية المخادعة أدت إلى تصديق قسم كبير منه لهذه الوعود الخلبية التي قادته إلى مخيمات الذل والهوان وفتحت سوق المتاجرة به أمام أصحاب المصالح من الأنظمة والدول المعادية لسورية ودورها في المنطقة، وذلك بمباركة وتصفيق من الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية ذات العلاقة، حيث تم تجهيز هذه المخيمات في كل من تركيا والأردن قبل مغادرة سوري واحد خارج حدود سورية، وعندما كشف لاجؤوا المخيمات انهم أنفسهم مجرد مادة للاستثمار السياسي والضىغط على حكومة بلدهم الشرعية وأنهم وقعوا في فخ غادر نُصب للإيقاع بوطنهم والاساءة إليه، ووجدوا أن أفق المستقبل مسدود أمامهم، ولا يُنقذهم من هذه المأساة التي حلت بهم سوى قبول عروض الهجرة للقارة الأوروبية حيث واحات الآمان والعز بانتظارهم، وللموضوعية نقول أن لهذا الخيار أسبابه ومبرراته عند هؤلاء الذين فروا من نار الإرهاب إلى أحضان “أصدقاء سورية” اللدودين، وخابت آمالهم فلا هم قادرين على العودة إلى الوطن بعد أن شاركوا أعداءه مخططهم الهادف إلى تدميره وتخريبه وبعض شارك بحمل السلاح في وجه الدولة وحالت مخاوفهم بينهم وبين العودة إلى الوطن، وكانت شركات الاتجار بالبشر جاهزة لقنص ما بقي لديهم من أموال، وهنا تكمن المسؤولية الحقيقية للأمم المتحدة والدول الحاضنة لهم والتي ترى بعين واحدة وتسمع بأذن واحدة، وتعمل لصالح جهة واحدة هي أعداء سورية ..!

وأما عن دور ومسؤولية الحكومة السورية فهي بكل تأكيد مقصرة من جهة ولاعبة لدورها ومسؤويتاتها بشكل مقبول بل ممتاز من جهة أخرى، فهي مقصرة لجهة متابعة المهجرين وتثبيت احصاءات دقيقة عن أعدادهم الصحيحة عبر المنظمات الدولية المتخصصة، والعمل بكل جدية على متابعة أوضاعهم المعيشية والاجتماعية وتأمين المدارس لأطفالهم بالتعاون مع المنظمات الدولية  وتحميل الدول المضيفة مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاههم عبر المنظمات الإنسانية الدولية، إضافةً إلى تحميل الدول والمؤسسات والأشخاص الذين يُشاركون في تسهيل هجرة السوريين غير الشرعية والمتاجرة بهم مسؤولياتها القانونية تجاه ماتقوم به من عمليات نصب واحتيال على هؤلاء السوريين، ومن جهة أخرى نجد أن الحكومة السورية قد قامت بواجبها الأخلاقي والقانوني عندما تكفلت باحتضان كل المهجرين من المناطق التي استولى عليها الإرهابيون وتأمينهم في مناطق آمنة بما في ذلك كل من عاد من مخيمات الدول المجاورة (تركيا – والأردن – ولبنان) وأمنت لهم وسائل العيش المقبول ضمن إمكانيات الدولة المحدودة.

يقول جبران خليل جبران في ويلاته المعروفة: “الويل لأمة يهجرها أبناؤها طلباً للعيش الكريم ..الويل لأمة تخاف من أبنائها..” فكم من ابن ضال في هذه الأزمة أساء لأهله وشعبه ووطنه، صحيح لقد اصطنعها الأعداء لكن نفذها وسهل مرورها الأبناء الذين رضعوا الحقد والكره لأبناء جلدتهم ولإخوتهم في الوطن باسم الدين والإسلام والدين منهم براء..

 

محمد عبد الكريم مصطفى