مساحة حرة

كامب ديفيد 2.. وتوزيع الأدوار !

من السذاجة بمكان اعتبار ما جرى في كامب ديفيد2 يقتصر على ما ظهر في الإعلام و تم نشره تحت مسمى البيان الختامي للقمة التي سجلت غياب البعض وحضور من يجب أن تصلهم الرسالة التي يحملها الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” والتوجيهات الواجب تفهمها والتقيد بها من قبل أمراء الخليج، وإن ما صدر إلى العلن لم يتجاوز عتبة ما هو معتمد لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ اتفاقية “كوينسي” التي تمت بين عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة الوهابية والرئيس الأمريكي “روزفلت” على متن السفينة الأمريكية يو –إس – كوينسي عند عبورها قناة السويس عام 1945، حيث تم الاتفاق على تأجير الأراضي السعودية للشركات الأمريكية لمدة ستين عاماً قابلة للتجديد مقابل نسبة من ثمن النفط للملك عن كل برميل نفط يتم استخراجه لا تتعدى السنتات، وضمان حماية المصالح الأمريكية في منطقة الخليج مقابل تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بحماية الأراضي السعودية والعرش الملكي ..

لكن ليس بحثنا هنا عن تلك الاتفاقية وأهميتها في رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة وفق السياسة الإستراتيجية الأمريكية المعدة مسبقاً ويتم تنفيذها على مراحل، وإنما عن الدور الأهم الذي يقع على عاتق مشيخات الخليج تنفيذه في المرحلة القادمة التي تتصف بحساسية كبيرة وتحدد مستقبل التواجد والسيطرة الأمريكية في المنطقة والتي تواجه قص الجوانح ونتف الريش ريشةً تلو الأخرى، وعن مدى إمكانية تحقيق المساعي الأمريكية في تغيير التكتيك وفق مخطط جديد يتضمن إنشاء محور تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والذي يضم دويلات الخليج العربي والكيان الصهيوني برعاية وحماية أمريكية مباشرة في مواجهة المحور المقاوم لأمريكا ولمشاريعها الاستعمارية في المنطقة حيث أخذ محور المقاومة يتنامى وتتسع جغرافيته بسرعة مذهلة لتأمين أهداف كبيرة تتباين مع التطلعات الأمريكية لمستقبل المنطقة والعالم، ويؤكد المراقبون بأن المحور المقاوم للسياسة الأمريكية الذي تعتبر سورية مركزه قد يصل إلى أبعد من حدود المنطقة ليُصبح محورا دوليا تقوده روسيا والصين ودول أخرى كثيرة فاعلة ومؤثرة في السياسة الدولية، حيث يتبنى هذا المحور مشروع عقلنة السياسة الدولية في مواجهة الحروب العبثية التي أثبتت فشلها في تحقيق أية أهداف قريبة أو بعيدة المدى خدمة للبشرية، بل على العكس من ذلك تسببت بخراب ودمار مجتمعات ودول بأكملها كما حصل في العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها، وكان آخرها مواجهة الوليد المسخ للمشروع الصهيو – الأمريكي في المنطقة ممثلاً بالتنظيمات الإرهابية العديدة وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة وأخواتهما الذين استثمروا بأبشع صورة على كافة المستويات.

فمن جهة حددت الولايات المتحدة لهذه التنظيمات عبر مملكة الرمال الوهابية دورا محددا لضرب كل المشاريع التقدمية المعادية للكيان الصهيوني في المنطقة عبر حروب استنزاف داخلية تؤدي إلى انهيار أنظمة تلك الدول والقضاء على جيوشها الوطنية التي تمتلك عقيدة راسخة في الدفاع عن الأمة وحماية الأوطان ، إضافة إلى نشر سياسة الخوف والرعب من انفلات عقال هذه التنظيمات المجرمة عبر ما تقوم به من أعمال التدمير والقتل والتشريد متجاهلةً بذلك كل القيم الإنسانية والمفاهيم الأخلاقية للمجتمع الإسلامي وبالتالي تحريفها للدين وخلق صراعات فكرية بين المذاهب الإسلامية وفتح الباب واسعاً لبدع وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان (جهاد النكاح – زواج المحارم – تكفير الآخر …الخ) .

بالعودة إلى مؤتمر كامب ديفيد2 وما قدمه “أوباما” من توجيهات مباشرة لم تصل إلى الإعلام أو بالأحرى غير مسموح نشرها، كانت بشكل إنذارات أكثر منها تطمينات حول الاتفاق النووي الإيراني وعدم التشويش عليه كمنجز يُحسب للرئيس أوباما، حيث أكد الرئيس الأمريكي مرةً أخرى : بأنه لا خطر على مستقبل عروش الممالك والأمراء من إيران، بينما يكمن الخطر في شعوبها المعتقلة فكرياً وحضارياً بقوة السوط، مؤكداً بأن الولايات المتحدة لن تهددهم بمسرحية الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تستخدمها في أماكن أخرى، وهي مع حكام الخليج في قمع أية مبادرات لربيع جديد يُمكن أن تظهر في بلدانهم، بشرط الحفاظ على متطلبات الولايات المتحدة من المنطقة المحصورة في أمرين اثنين فقط وهما سيطرتها المستمرة على سوق النفط والغاز وأسعاره وحركته، وضمان أمن الكيان الصهيوني، محرضاً دويلات الخليج على إقامة علاقات مباشرة وعلنية مع الحكومة الإسرائيلية كضمان إضافي لمستقبل عروشهم المهترئة، إضافة إلى ضرورة إعادة بناء قواتها العسكرية من خلال عقود أسلحة ضخمة من أجل الاعتماد على إمكانياتهم الذاتية، لتغطية أي انسحاب هادئ وبطيء للقوات العسكرية الأمريكية من المنطقة .

كانت معركة القلمون وانتصار الجيش العربي السوري وقوى المقاومة وسحق العصابات الإرهابية ودحرها من أهم معاقلها في المنطقة وتحرير مساحة أكثر من 300 كم2 ، الرسالة الأولى المتضمنة طبيعة الرد الممكن من تيار المقاومة على مقررات كامب ديفيد2 ونتائجه الخبيثة المخفية، وهي لا تخلو من تحذيرات عالية المستوى بأن المعركة لن تستمر طويلاً وفق خطة الاستنزاف التي تعتمدها الولايات المتحدة وعملائها من الأعراب (القضاء على داعش يتطلب ثلاثة قرون وفق الرؤية الأمريكية)، وإن معركة الحسم في سورية والعراق تقترب من فصولها الأخيرة بالقضاء على كل أشكال العصابات الإرهابية المنتشرة بكثرة في كل من سورية والعراق ، وأنه من غير الممكن قبول حالة التدخل المستمر لبعض دول الخليج وتركيا في دعم وإمداد التنظيمات الإرهابية ومخالفة القوانين الدولية ذات الصلة، وهنا يرى المراقبون بأن حكومة العدالة والتنمية ستكون الخاسر الأكبر في عملية توزيع المغانم الوهمية من معركة استمرت قرابة الخمس سنوات، بعد أن عهد الرئيس أوباما لمملكة الرمال قيادة التحالف الرجعي، حيث ستعود تركيا إلى أدنى من حجمها الطبيعي بكثير كعضو ضعيف في حلف ” الناتو” نتيجة فشل سياسة الرئيس التركي “أردوغان” وعصابته في تحقيق أية مكاسب لصالح المشروع الاستعماري الغربي ولا لتركيا وشعبها ، سوى المزيد من الأعداء والحصار الشعبي والإقليمي، وستعود إلى حالة الاستجداء التي عاشتها قبل عقود .

في النتيجة من يُحدد شكل الخارطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة هو الجيش العربي السوري والجيش العراقي وقوى الدفاع الشعبية وحلفائهم من محور المقاومة وإن الانتصارات المتعاقبة على الأرض هي الرسالة الأكثر وضوحاً لمستقبل العصابات الإرهابية وخياراتها المحددة إما بالهروب والعودة إلى بلدانها الأساسية، أو الموت المحتم حيث لا يوجد خيار ثالث، وعلى الدول المصدرة تحمل تبعات ذلك بكل ما يعني من كلمة.

 

محمد عبد الكريم مصطفى