ثقافة وفن

“كلّ لغة لي وكلّ حرفٍ لك” …. تفرّد في العنوان ورحلة لاستشراف النصر في المضمون

يُلفتنا عنوان الكتاب لنقف لحظتين عنده، لحظة لقراءته بمتعة، وأخرى لإعادته والتفكير لماذا كان هذا العنوان؟ “كلّ لغةٍ لي وكلّ حرفٍ لك” عنوان لديوان شعري أوّل ضمن سلسلة إبداعاتٍ شابة، يحمل تبادل ثنائي بين حجم اللغة وفردانيّة الحرف، بين جموح الذكورة وخصوصيّة الأنثى. ثنائيّة ممزوجة بالحبّ وعدم مقدرة الإنسان على التخلي عن شريكه في الحبّ والعيش والاشتراك والتطلّع والسلام وغيره.

حمل الديوان مجموعة من قصائد حالمة بالسلام والشعور بالانتصار لفضيلة خاصّة يسعى إليها المبدع في كلّ شغف دون انتظار لمكافأة أو نتيجة، فقط حلم السعي لتحقيق الذات ووضع نقطة مشرقة ومضيئة في عالم الشعر العربي الذي كان الصورة المشرّفة في مرحلة مهمّة جداً من مراحل تاريخ منطقتنا العربيّة عموماً. القصائد موزونة بنوع التفعيلة، وباختيار الكلمات بين المألوف وغير المألوف، وبين الشائع وقليل الاستخدام، وبين الجميل والغريب… وهذا ما يجعل القارئ على حافة التفكير دوماً، وعلى حالة انتظار الجديد، وسؤال ماذا يريد مؤلف القصائد؟ وما الذي ينحو به عبر تجربة الديوان الأوّل؟!

لا بدّ للحرب من أن تكون مؤثرة في أسلوبيّة نظم القصيدة وهذا ما نجده في مجموعة من قصائد “كلّ لغة لي وكلّ حرفٍ لك” لكن لم يكن لها طغيانها الكارثي كما وجدنا في مجموعات كثيرة صدرت عبر سبع سنوات عشناها في ظل الحرب والأزمة. فنجد أن لغة الأمل حاضرة، وفكرة النصر محمولة، وبانتظار الولادة، والانطلاق في مستقبل أيامٍ قادمة. ومن هذه المجموعة نقرأ في قصيدة “تصريح متأخر”:

هي الأشياء رثّت في الغياب الآن خذّها

فوحل الوقت يسرقها

ونفّس عن لهاث الدّم في عينيك واكتب إنّك الباقي كمئذنة دمشقيّة

وحوّل جملة استفهام

إلى نصّ ومسرحه

ترجّلْ عن خيول الموت موتك واسقها حلماً شذى الأيّام

فإن بادت فلا تأسف

فتلك الخيل مشأمة، ولا ترضيك يا فارس

تخفّى مثل ملح البحر

وقبّل أيّما امرأة لتحوي لحمك الشهوي في غدها

وخيّط من نجوم الليل ما ترغب

ورتّبها كسبّحةٍ، تمحّي بصمة الإبهام منتظراً، لرمّان تلاعبه وتقطفه

ولا تكشفْ

فإنّك أنت سائسها

وأنت الطعم والسمكة.

ترجّلْ عن خيول الحزن وانحرها،

ورشّ الدّمّ حول المذبح الأبدي للنعمةْ

تكلم دونما لغة … فصمتك منبت النقمةْ

وقلْ لا للأسى والهمّ

وشطّب هذه الكلمةْ

قلما نجد شعراً يحمل صوره الجديدة بكلّ ثقة، عبر تجارب كثيرة يقدّمها الشعراء الشباب اليوم، لكن في ديوان الشعر هذا نجد الكثير من الصور المتزنة والمنحوتة بتجربة واضحة الملامح، في عشق الشعر، وحبّ نفاذه إلى قلب القارئ، ووجدان من يهوى الأدب ويحترمه. ومن هذه الصور نقتطف من قصيدة “تفرد حاقد على الآخر”:

…. غيري يئنّ ويدّعي الحزن الفريد

أولئك الغافون في حزن الصديدْ

لا يشطبون رؤى الحقيقة من عقولٍ أغلقت فيها النوافذ، فاستعاروا أعيناً من دمعها بنيت

قصورٌ من عطش

إن تعطهم سيفاً وديناً واغتصاباً للحقائق يقبلوا

إن تعطهم مسخاً إلهاً من جرائد يقبلوا

أتغير الأنفاس زعزقة الحديد على ارتجالات المعاني في عبور النار في جسد شهيدٍ ….

الديوان “كلّ لغة لي وكلّ حرفٍ لكِ” من إصدارات الهيئة العامة السوريّة للكتاب في دمشق، من تأليف الشاعر “أحمد السح” الحائز على الجائزة الثانية في مهرجان الشعر والأدب المُقام في جامعة حلب في العام 2009. والكتاب تجربة جديدة تستحق القراءة والتمعن، على أمل أن ينهض الشعر في حياتنا من جديد ليكون لغة مؤثرة فاعلة، تستحق أن تكون في صدر الثقافة ووسائلها القيّمة، التي تعبّر عن ثقافة عربيّة أصيلة، ومع جماليّة هذه التجربة الأولى للشاعر الشاب يبقى لنا مراقبة خطوة جديدة له في تجربة الشعر التي لا تحمل نقطة بداية ونهاية في العموم فالشعر لغة اللا حدود.

البعث ميديا || عامر فؤاد عامر