ثقافة وفن

كما لو أنني

كما لو أنني اجلس مسترخيا فترة ما بعد الظهر في مدينة فيينا..

على ضفة نهر الدانوب، أجلس في مقهى صيفي، أنظف نظراتي بمنديل السماء الأزرق، فيما سبحة الذكريات التي بدأت تكرج في بالي ينقطع خيطها، فتنفرط حبّاتها وهي تصدر ذاك الصوت الذي تصدره حين ترتطم بالبلاط!.

بلا أي ضغينة اجلس متصالحا مع كل عقدي حتى تلك التي لم استطع الاعتراف بها لنفسي بعد، كما فعلت مع مثيلاتها، واستمع إلى مقطوعة “الغابة السوداء” التي تشبه في حلاوتها إلى حد ما حلاوة “البكاردي” المنسي في كأسي منذ أن حاولت النهوض فلم استطع من ثقل خيالكِ، الذي جاء بعذوبة عريه أيضا ليثمل قربي.

كما لو أنني في الحالة التي ذكرت، أُفكر أن اكتب قصيدة.

قصيدة لطيفة، حروفها قصب سكر وصورها الشعرية غيوم تمشي ببطء فتأخذ في كل لحظة شكلا ما، ولأجل الصدفة الغريبة، يصبح لهذه الغيمة وهي تبدل أحوالها، شكل وجه أليف أعرفه، للحظة يمرّ ويلوح لي بابتسامة.

قصيدة لغتها تين ولوز أما نوعها فمدى مفتوح على صهيل أفراس ذهبية، أعرافها شمس وأعناقها أقواس نصر منتصبة على مسافة أُمنية

بهذا الوعي إن صح التوصيف، الذي سيحضر وأنا في تلك الحالة التي أتمنى أن أكون فيها كي اكتب قصيدة، أريد أن اكتب هذه القصيدة.

قصيدة اقول فيها مثلا : أيها الصيف كن نديمي، وأنت أيتها الألوان ارقصي وصيري غوايتي، صيري أرجوحة خيالي العزيز.

أو ربما اكتب برمزية أعلى فأقول: ليس الهواء نديمي، إن أنا أَجلستُ الصيف في عروة قميصكِ، مفرجا عن ألف قمر يهتدي إلى مداره كلما ابتسمتِ.

شيء من هذا القبيل، وربما أهذي قليلا من ما تبقى من كحول تمشي برقة في دمي، فأكتبكِ كما أحب أن أراكِ، عارية إلا من ضحكة يقف لأجلها الربيع منتظرا على المفارق، يحمل كرمى خاطرها شمسية من نور.

لكن هذا لا يحدث، وتبقين قصيدة اتنفس حروفها حتى في خيالي، لكنها قصيدة عصية على الحبر.

تمّام علي بركات.