مساحة حرة

لغة “التاتو” على شاشتنا!

في واحدة من الندوات التي قدمتها إحدى محطاتنا الفضائية لتتحدث عن حرب تشرين، كيف جسدتها الدراما السورية بعمومها، حضر بين الضيوف المدعوون للقاء، مخرجة من الجيل الشاب، وبعد أن شاهدنا “التاتو” الجميل الذي كانت تضعه في عدة أمكنة، كدليل لا يقبل الشك على عصريتها وحداثويتها وفكرها، أظهرت لنا المخرجة الشابة جهلا غريبا بمعرفتها للدراما السورية بأنواعها التي استقت مواضيعها من حرب تشرين، فهي مثلا لم تذكر عندما سألتها مقدمة البرامج عما بقي في ذاكرتها ووجدانها من تلك الأعمال، لم تتذكر “الليدي” إلا أحد المشاهد، في فيلم “رسائل شفهية” وأي مشهد؟ المشهد الذي يظهر فيه الجندي “زهير رمضان” وأسرته على الحدود قرب الحرب، حيث يُظهر المشهد كيف أن العدو لم يقم بإطفاء أضوائه، بينما جيشنا فعل!، فأطفأ اضوائه في رمزية تحتمل عدة تأويلات، لكن معناها الحقيقي في قلب الشاعر أو المخرج كما يقال!.

المخرجة الشابة المدعوة من قبل تلفزيوننا لتتحدث عن دراما تشرين، لم تعرف شيء عن هذه الدراما إلا هذا المشهد!، ولا أدري كيف لم تطلع على الأقل قبل اللقاء بيوم ولو من على “غوغل” عن الدراما السورية التي كانت ثيمها تنبع من حرب تشرين والبطولات المجيدة التي جرت فيها، طالما أنها دعيت لهذه الندوة ووافقت على الظهور!

لكن القصة لم تقف عند حدود الجهل بموضوع اللقاء فقط، حيث أن الضيفة كانت تروج لفيلمها في العديد من مفاصل اللقاء عندما يحين دورها في الحديث عن دراميات تشرين! فتحكي عن الحرب الآن بمفردات سطحية مع مزجها لعدة أنواع من الفنون فيما قالته عن عملها، ويغيب عنها ماهية اللقاء الذي تتوسطه كوردة جميلة وهذا حق لا ننكره، إنها ببساطة وبما لا تعرفه وبما حضرت فيه، شيء جميل يجعل الأستديو أكثر بهجة وإشراقا، خصوصا وأن باقي الضيوف، مع كامل احترامنا لهم، كانوا متجهمي الوجوه، يعني أنهم ليسوا من الأوجه الجاذبة للعين؟ وهكذا تبادل الضيوف الحديث عن حرب تشرين وكيف وثقتها الدراما، وكل يغرد على ليلاه، وخذوا على حديث شجي من عدة أطراف، أحدها يتكلم في نفس موضوع حرب تشرين التحريرية، وغيرها يتحدث عن (الحنان اللازوردي للأنثى وهي تنتعل الحرب لاهية في غروب الاشراق النبيل) شيء من هذا القبيل تقريبا!

الغريب أنه وحتى اللحظة، ما من معايير موضوعية في معظم برامجنا التلفزيونية الحوارية، وبالتحديد في العديد من الحالات التي يتم فيها استقبال ضيوف للحديث في شأن ما، فإذ بهم لا يعرفون عن ماذا يتحدثون، ما يدفعنا للسؤال: ما الغاية من الندوة الحوارية؟ ولماذا هذا الإصرار في التعامل مع هذا المنبر الخطير وكأنه “هات ايدك ولحقني”؟ ولماذا هذا الإصرار على قصة التواصي والعلاقات “العامة” في شأن خطير كهذا الشأن؟ من هو الجمهور المستهدف في هذه الحلقة؟ ماذا يجب أن يقول في الحلقة؟ هذا كله يغيب عن البال، ويحضر اللطف والدلال!

من الطبيعي أن تكون الغاية الأسمى من أي حوار تلفزيوني، هو جعل الجمهور أكثر سعة وعلما واطلاعا ومعرفة، وجعله أكثر متابعة لما يقوله إعلامه الصادق حتما، حتى لو لم يعلم بشكل تقني وفني وفكري، تسويق هذا الصدق للداخل، الذي لا يزال بعضه يشكك في صدقه، وللخارج الذي يجب أن نخاطبه بلغة متقنة، محترفة، علمية، يصدق فيها نبل قضيتنا وأحقيتنا بالدفاع عن أنفسنا ووجودنا!.

اليوم بات بإمكاننا أن نضيف لما سبق ذكره من غايات الحوار غاية جديدة، وهي أن يحضر الجمال ومن وراءه ولو في الجحيم،” وليتعلم الناس لغة “التاتو” البديعة!

تمّام علي بركات