line1مساحة حرة

صحيفة البعث تجرّم استخدام الألفاظ المذهبية والعرقية

حذّرت صحيفة البعث من شيوع استخدام المفردات والمصطلحات المذهبية والعرقية في الخطاب السياسي والإعلامي العربي، مشيرة في افتتاحيتها بقلم الدكتور عبد اللطيف عمران، المدير العام ورئيس هيئة التحرير، إلى أن هذا الاستخدام دلالة على العجز والتقصير في الثقافة العربية، مطالبة كل السياسيين والكتّاب مغادرته فوراً.

وفيما يلي نص الافتتاحية:

غاب الحديث إلى حد كبير في الشارع، وفي المكتبات، وفي الإعلام، وفي مؤسسات العمل العربي المشترك عن الخطر الصهيوني على الواقع والمستقبل العربي، وغابت معه بعض المفردات مثل: العروبة – التضامن العربي – الوحدة – القومية العربية.. العلمية والعلمانية..ليحل محلها ألفاظ ومفردات كانت محرّمة قبل سنوات.
فقد كانت تعتبر مسميات الطوائف والمذاهب والأعراق والإثنيات في المجتمعات العربية بمثابة  ألفاظ العورات، تستفز الأسماع، فلا نجرؤ على ذكرها صراحة في حواراتنا ومحاضراتنا وكتاباتنا.
والآن تقدمت مفرزات ثقافة البترودولار، واتسعت على مستوى السطح مقابل ثقافة المقاومة، فاستمرأتِ العقول والألسن تلك المفردات التي كانت بغيضة.
ولذلك يغدو كل استعمال صريح لتسمية الأشياء بمسمّياتها من حيث المذهب والعرق الأقلّوي في الإعلام والثقافة والسياسة عجزاً، وعلى المتحدثين والكاتبين مغادرته فوراً، ففي المعجم اللغوي والسياسي والقومي مفردات وتراكيب تغني عن هذا العيب والتقصير، واللبيب من الإشارة..
ونحن نسمع، ونقرأ اليوم مايقوله الباحثون والساسة الصهاينة، وينشرونه على المستويات الإقليمية والدولية من أن «الواقع الراهن أثبت أنّ مشاكل التوتّر المستمرة في المنطقة ليس سببها الكيان الصهيوني، فهناك مشاكل متجذّرة تاريخياً وجغرافياً فيها… وفي هذا السياق فـ«الإسرائيليون» جاهزون للإسهام في حلّها ولاسيّما الناجم منها عن الطائفية والمذهبية والعرقية، خاصة إذا امتدت اليد العربية لطلب  العون والمساعدة والاستشارة»!!.
ويبدو أن هذه اليد وللأسف ممدودة قبل الأزمة الراهنة، واليوم تحوّل المدّ إلى تضرّع، على نحو مانجد من تبريرات أردوغان المعلنة لـ«الضرورة الإسرائيلية» والمساعي السعودية المعلنة والمستترة، وافتتاح الممثلية الصهيونية مؤخراً في الإمارات، إضافة إلى ماهو مستقر في الواقع من التنسيق القَطري الصهيوني الذي تطوّر في التسعينيات حين اصطدم آل ثاني مع ابن سعود، فلجأ الأول للانتصار بأمريكا التي نصحته بأن الدخول إليها في هذا المجال يكون عبر البوابة «الإسرائيلية»، وكان ما كان.
بالأمس كان اجتماع الجامعة «العربية» على مستوى وزراء الخارجية حيث تلاقت الضرورتان السعودية و«الإسرائيلية» على أن الخطر الإقليمي على العروبة والإسلام ليس أبداً الصهيونية، بل هو محور المقاومة الذي يجب عزله، وإخراجه من معادلة الصراع، بل تجريمه. فتحقّق في هذا الاجتماع إنجاز «مهم»! إذ لم يعد هناك أولوية لمحاربة التطرف والتكفير والإرهاب، بل الأولوية لمحاربة خصوم المشروع الصهيوني.
لقد ارتاحت تماماً أمريكا بهذا الإنجاز الذي تضافرت على ترسيخه سياسات ابن سعود وآل ثاني وأردوغان «وكلاء الصهيونية»، فلم تعد بحاجة إلى توفير مستلزمات دعم متتالية كبيرة «لإسرائيل» فهناك من يقوم بالواجب طوعاً بل عن قناعة وضرورة، فلم يعد العرب أمة واحدة، وكذلك صار المسلمون مللاً ونحلاً متقاتلة، فدخلت عوامل دعم المشروع الصهيوني في مسارات تطور جديد «واعدة مرحلياً» وليس ذلك بالمصادفة، إنه العمد، والقصد عند هؤلاء الوكلاء.
هذا الإنجاز، وتلك التطورات الواعدة مرحلياً ومؤقتاً تحقّق ولا شك الهدف الصهيو-أمريكي في إطالة أمد الصراع وعمْر التطرف والإرهاب والتكفير، حيث تتداخل الحرب على الإرهاب التكفيري بالحرب على مقاومة المشروع الصهيوني. ما يؤكد أن الإرهاب التكفيري والوهابية والعثمانية الجديدة ذراع من أذرع الصهيونية، وبتر هذه الذراع سيسدد ضربة قاصمة للكيان الصهيوني، ولذلك تُدار اليوم هذه الحرب بالوكالة، فلا تريد تلك الأطراف حلّاً سياسيّاً، بل تريد إطالة أمد الصراع بافتعال مشاكل هامشية كما تفعل السعودية اليوم.
بالمقابل، هناك اليوم سطوع قناعة عالمية واسعة تظهر أصداؤها يوميّاً في عشرات الأبحاث من أن الوهابية هي وحشيّة العصر، وحاملها السعودي خطر على شعوب العالم، ومثله خطر أردوغان حيث المتاجرة برسالة الإسلام السمحة، وتشويه تاريخه ولاسيّما المضيء منه جدليّاً والبنّاء علمياً ومعرفياً كخلاف الأئمة رحمة، فلا تكفير، ومثاله كتاب «رحمة الأمة في اختلاف الأئمة» لأبي عبد الله الدمشقي، بدل السيف الوهابي المسلّط في عَلم ابن سعود؟!
في هذا المقابل، يتيقّن المتابع من بروز مؤشرات وعي إيجابية في الشارع العربي والإسلامي، وعند أحرار العالم، منها أن محور المقاومة الذي  طالما سدد ضرباتٍ موجعة للمشروع الصهيوني، هو قادر اليوم على تسديد الضربات نفسها للمشروع الإرهابي التكفيري. ومنها أن هذا المحور قادر على تصحيح الانحراف المقصود في مسار الصراع من عربي صهيوني، إلى عربي عربي.
واليوم نلمح في الواقع، وفي الأفق يقظة الشارع العربي، ونهضة العقل والوعي، وخاصة عند السوريين الذين «يحققون اليوم انتصارات في حربهم المصيرية على الإرهاب التكفيري. انتصارات ستحدد معالم الخارطة العالمية الجديدة» كما قال أمس القائد الأسد.
د. عبد اللطيف عمران