مساحة حرة

ليعالجوا مشكلات «عبقريتهم» المشبعة بالكراهية والتدليس

يتذاكى البعض بالقول زاعما، لقد اشبعتنا سورية كلاماً، حدودها الأكثر أمناً مع الكيان الصهيوني، لم تشهد اشتباكاً منذ 42 سنة ، وهي ترد دائما بالقول (نحتفظ بحق الرد) ولكن دون رد، تقاتل الكيان الصهيوني إن قاتلته بدماء غيرها من فلسطينيين ولبنانيين وغيرهم، وتتسيّد نضالات الآخرين وتقطف الثمار .
هكذا هي فلسفة المنظرين للإساءة لسورية وتبرير عمالة البعض أو غض النظر عنها، عندما لا يجدوا ما يدافعون به عن حلفاء أمريكا والمتعاقدين مع الكيان الصهيوني، وتفنيد ذلك يبدو معقداً لدى بسطاء الناس.
لكن استراتيجيي الحروب يعلمون أن بدهية الحرب الأولى وقاعدتها الذهبية ،هي ان لا تجعل عدوك يفرض عليك مكان وزمان الحرب وأدواتها وآلياتها، وانما ان تنقل اليه حربك الى خارج جدرانك الى خلف جدرانه، وبالطريقة التي لا تجعله يستثمر مزايا التفوق لديه، وتتيح لك استثمار عناصر التميز لديك، بنقل الحرب الى خارج اسوارك، ومد من أنت وإياهم في ذات الخندق وعلى سفينة واحدة بما يحتاجون إليه من عناصر القوة والردع بل والتفوق العسكري التكتيكي والاستراتيجي.
وهو ما حدث ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي، وتجسدت ثماره عام 2000 وما تلاها، وما استتبع من إعادة نظر في العقيدة العسكرية السورية منذ عام 2006 ، وليس بالضرورة ان تخرج سورية على وسائل إعلامها متفاخرة شارحة تلك العقيدة المتجددة لإقناع المشككين بوجهة نظرها العسكرية الاستراتيجية، وليس من الحكمة الإعلان عن كل شيء، فيما تفعل وما لا تفعل.
لكن من العدل والحصافة والحكمة والموضوعية ملاحظة نتائج ما يحدث على الأرض المحتلة من انهيار معنويات المؤسسة العسكرية الصهيونية على توالي ألـ 15 سنة الأخيرة ، وادراك من اسهم ويسهم في تحقيق ذلك ، واسقاط قاعدة تمكين العدو من استثمار عناصر التفوق العسكرية لديه. .
وقبل ذلك خاضت سورية بالإشتراك مع مصر؛ حرب تشرين، وبمساهمات عسكرية رمزية من غير دولة عربية، الا العراق الذي شارك بقوة عسكرية كبيرة ، لكن تخاذل السادات ووقفه الاشتباك العسكري مع الكيان الصهيوني دون تنسيق مع مصر، غير قواعد الحرب، واتاح لـ (إسرائيل) تركيز حربها على الجبهة السورية، بعد أن كادت سورية تنجز تحرير الجولان العربي السوري وقد وصلت بحيرة طبريا، وكان من الممكن لولا خذلان السادات لسورية ؛ ربما تحقيق ما هو أبعد من ذلك، بمشاركة العراق، وهكذا تغيرت حسابات الاستمرار في الحرب وتوقفت الحرب بمعناها الشامل واضطر العراق إلى سحب قواته، لكن سورية استمرت في حرب استنزاف ضد العدو الصهيوني ما يذكر بحرب الاستنزاف التي خاضتها مصر عبد الناصر، ضد ( إسرائيل ) .
وما ينبغي ادراكه هنا أن الحرب التقليدية مع ( إسرائيل ) غير مجدية دون حشد عربي واسع تشارك فيه عوامل الاقتصاد والنفط ايضاً.
وفي أعقاب حرب تشرين، رفضت سورية التوصل الى معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني وبعد مفاوضات معقدة، تم التوصل الى اتفاق فك ارتباط استعادت سورية بموجبه جزءاً من الجولان بما في ذلك عاصمته مدينة القنيطرة. كما رفضت سورية عقد معاهدة سلام منقوصة مع العدو الصهيوني في بداية تسعينات القرن الماضي، لا تعيد ولو متراً واحدا من الجولان، حتى مياه بحيرة طبريا.
وخاضت سورية عام 1982، حربا دفاعية عن لبنان شعبا ومقاومة فلسطينية عندما حاصرت ( إسرائيل ) العاصمة اللبنانية بيروت، وفي البقاع، تكبدت سورية فيها خسائر كبيرة معروفة، جراء اضطرار سورية لخوضها دفاعا عن لبنان والمقاومة، في ظل تفاوت في القدرات العسكرية، وما أشرنا اليه ابتداء من أنه لا ينبغي أن يفرض العدو عليك قواعده في القتال، مكاناً وزمانا وأدوات وآليات.
لكن سورية تداركت ذلك لاحقاً وأدركت أن حماية لبنان من الكيان الصهيوني وأدواته وعملائه الداخليين لا يكون بمواجهات عسكرية تقليدية وإنما بخلق مقاومة لبنانية محلية بحتة، لا تعطي العدو وعملائه مبررات شن حرب شاملة عليه، وهكذا تولدت المقاومة اللبنانية عبر تدرجات استقرت على ما هي عليه، ملحقة به هزائم متتالية، عجزت المعطيات السابقة عن الحاقها به، وهو ما استفادت المقاومة الفلسطينية من دروسه، لاحقاً.
وكانت سورية الداعم الأول للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية وايضا لتمرير ما يلزمهما اليهما، ومن هنا شهدنا على مدى ألـ 15 سنة الماضية بتوجيه الانذارات اولا ثم بالقرارات الامريكية وأحيانا الدولية بحصارها ومعاقبتها ومحاولات شيطنتها واستيعابها بالتضليل والتوريط من خلال وكيلي النيتو وواشنطن والاتحاد الأوروبي قطر وتركيا الانكشارية . . ولما فشل ذلك كله، كان لا بد من وجهة نظر من سبق ذكرهم، شن الحرب الدولية عليها ، ولإستكمال الانتصارات المؤقتتة التي حققتها قوى الردة في غير ساحة عربية تحت مسميات الثورة والربيع العربي .
والسؤال الذي ينبغي أن يوجه لمتهمي سورية ومن هم خلفهم، ماذا صنع نظام عربي تحتل جزره في البحر الأحمر منذ عقود، ولا يشير اليها حتى مجرد إشارة خجولة، أو يذكّر بانها جزء من ترابه الوطني، وكذلك أراض تتبع لدولة مغاربية ما زالت محتلة من قبل دولة أوروبية، وغير ذلك .
المشككون يتجاهلون ان سورية تخوض الآن وعلى مدى قرابة 4 سنوات حرباً على 26 الف بؤرة ساخنة من بينها 600 بؤرة ساخنة في ريف دمشق، هل ان هذه الحرب تشن على سورية ويشارك فيها مرتزقة من بقاع الأرض الـ 4 دفاعا عن الديمقراطية والحرية والعدل في سورية، تمولها دول لا علاقة لها بكل ما سبق ، حتى امريكا التي يقال أنها قلعة الديمقراطية ما زالت مزروعة بالعنصرية، واريافها مليئة بمليشيات عنصرية مسلحة، ويجوز فيها التنصت على المكالمات والاعتقال على لون البشرة وبمجرد الشبهة كأكثر البلدان الأكثر تخلفا .
لا بد ان في سورية أخطاء ونواقص ومستوجبات اصلاح وتغيير، وهو ما تقر به الدولة الوطنية السورية وبدأت في تحقيق اصلاحات متدرجة، منذ بداية العقد المنصرم، وتكثفت الاصلاحات في السنوات الأخيرة، لكن المتآمرين على سورية ليست غايتهم تحقيق ذلك بل على العكس منه ، يريدون سورية المستقل قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في معزل عن الإمبريالية العالمية والصهيونية؛ خرابا صفصفا، درسا لكل من يتجاوز على واشنطن والغرب وتل ابيب ولا يلتزم بمصالحهم وينفذ مطامعهم.
وأكثر الناس حديثا عما يقولون أن سورية لم تفعله ، هم أكثر الناس افتقادا لما يطالبوا سورية بتحقيقه ، هم من سعوا الى الإضرار بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهم أكثر الداعمين للجماعات الإرهابية التكفيرية الوهابية الاخونية المتخلفة في سورية وفي العراق وليبيا واليمن وسيناء وتونس بل وفي مالي والنيجر، وهم الأكثر اضطهادا لمن يخالفهم الرأي في بلدانهم وللمرأة وللأقليات الدينية، وهم اصدقاء واشنطن وباريس ولندن وبون وتل ابيب .
لهؤلاء نقول، (عشقكم) هذا المليء بالكراهية احتفظوا به لأنفسكم، وتفرغوا لحل مشكلاتكم الداخلية المتفاقمة، واتركوا لسورية وسائر الشعوب العربية وغير العربية الحرية لحل مشكلاتهم إن وجدت، وفق مصالحهم.

محمد شريف الجيوسي