line1مساحة حرة

مأزق دي ميستورا هيئة مفاوضات أم “هيئة بيعة”؟!

 

 

ليس وفدنا إلى جنيف3 من يضيّع الوقت، أو يسترسل، أو ينظّر، فهو وفد هادئ، متروٍّ، رصين، واحترافي يضم دبلوماسيين مخضرمين، وخبرات وطنية على كفاءة عالية والتزام بمستقبل الوطن ومؤسساته في جولة من المفاوضات يعوّل عليها ويؤمُل منها الكثير.

يقابل هذا الوفد طرف آخر، مبتعث على عجل وتزمّت وأحاديّة رؤية، اختزل المعارضة السورية العصيّة على التصنيف والمشتّتة والمبعثرة لتعدد الدول الداعمة للعدوان على الوطن والأمة، إنه وفد هيئة مفاوضات معارضة الرياض الذي يتجاهل أطياف المعارضة الوطنية في الداخل والخارج، مستقوياً ومختالاً بوجود ممثلين عن العصابات المسلحة الإرهابية فيه.

وفد هيئة مفاوضات الرياض متسرّع ومنكفئ في الوقت نفسه، وإقصائي أيضاً لا يؤمن بمعارضة موسكو والقاهرة والداخل… غير معني أبداً ببند محاربة الإرهاب الذي هو أساس القرارات الأممية، مركزاً على بند واحد هو الانتقال أو التغيير، دون أن يقبل حتى بمناقشة الإطار النظري لهذا البند، وكأنه يضمن مسار الانتقال ونتائجه ضمانة سلعة تُشترى مسبقاً. لأنهم تعلموا أن قضايا الأوطان ومصالح الشعوب لقمة سائغة.

لاشك في أن المسار السياسي سيُفضي إلى انتقال وتغيير لكن على أسس وطنية نحو الأفضل، ألم تتضمن مبادرة الرئيس الأسد في كلمته في 6/1/2013 انتقالاً وتغييراً في الدستور، والتشريع، والحكومة..؟ لكن على أساس وطني ديمقراطي يحتكم إلى الانتخابات الشعبية الحرّة النزيهة.

وهذا لايمكن أن تنسج على منواله هيئة مفاوضات الرياض، وكيف لها هذا، فهل في الرياض انتخابات، أو ديمقراطية، أو حرية سياسية وفكرية؟! لذلك دفعت بمندوبيها إلى جنيف ليكونوا صدى لسلطات الرياض في الشكل والمضمون، يناقشون فكرة الانتقال والتغيير دون شراكة، باستبداد، دون استعداد للإجابة على سؤال واحد هو: هل الدولة والمجتمع والشعب مؤهلون لتقبّل مفرزات الانتقال مع استمرار وجود كابوس الإرهاب في أربع جهات البلاد؟ وهل لديهم ضمانة من الإرهابيين في نجاح الانتقال واستقرار مخرجاته؟!.

لذلك تكون هذه الهيئة في الشكل والمضمون نظيرة “هيئة البيعة” السعودية التي تشكلت فقط لاختيار الملك وولي العهد وتقتصر على أبناء عبد العزيز بن سعود، فاستراتيجية الهيئتين واحدة هي التفرد في تقرير بنية الوطن والحكم ومصالح الشعب وتطلعاته وفق معيار اختزالي إقصائي استبدادي لا مكان فيه أبداً للديمقراطية والحرية والانتخابات والرأي الآخر.

وعلى هذا الأساس تضع هيئة مفاوضات الرياض شرطاً أساسياً هو الانتقال السريع أو التغيير دون أي سند ديمقراطي، متماهية بهذا مع «هيئة البيعة» السعودية.

إنه مأزق دي ميستورا، بل من مآزقه العديدة، وهو الذي يعرف كغيره ما الذي قدّمه الانتقال والتغيير إلى شعوب المنطقة وبلدانها.

وهذا الشبه الوثيق بين هذه الهيئة وتلك لا يبدده إلا القبول بتوسيع أطياف المعارضة لتضم الأطراف الأخرى المقصيّة، والتي من المؤكد أن منسوب الوطنية والحوار والديمقراطية، مرتفع لديها قياساً إلى هيئة الرياض.

وعلى هذه الهيئة ومعها دي ميستورا الذي نتمنّى أن يخرج من مآزقه، أن يدركا أن وضع الدولة، والوضع الدوَلي تغيّرا بين جنيف1 وجنيف3 مروراً بــ فيينا، وأن يدركا أيضاً أن أطيافاً واسعة ومتنوعة في المجتمع السوري لاتؤمن على الإطلاق بمصداقية مشروع سياسي وطني واعد لهيئة الرياض.

د. عبد اللطيف عمران