مساحة حرة

مؤشرات السياسة الأمريكية والطريق المسدود ؟

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية جيداً بأن التحولات الجيوسياسية التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط على أثر حركات ما سمي ” بالربيع العربي ” لم تأت على قياس طموحاتها في بناء العالم الجديد ، حيث جاءت النتائج مخالفة لكل توقعات مراكز الأبحاث الإستراتيجية الأمريكية ، وفجأةً وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام حائط مسدود شاهق الارتفاع لا يُمكنها تجاوزه أو القفز فوقه ظهرَ قوياً وصاعقاً لها مع أول ” فيتو ” روسي صيني مشترك في مجلس الأمن الدولي الذي منع تمرير قرار دولي ضد سورية يُتيح للولايات المتحدة وحلفائها تدمير سورية وإزالتها عن الساحة الدولية كقوة إقليمية فاعلة تقود محور الممانعة في وجه الهيمنة الأمريكية على المنطقة ، ويؤكد المحللون على تراجع الدور الأمريكي ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب ، بل كذلك على الساحة الدولية بسبب السياسة الفاشلة التي اعتمدتها إدارة الرئيس أوباما وعدم التزامها بتعهداتها الدولية ، حيث كتبت صحيفة ” الفايننشال تايمز ” الأمريكية تعليقاً توضح فيه الواقع الذي وصلت إليه السياسة الخارجية الأمريكية جاء فيه: “تراجع النفوذ الأمريكي على الساحة العالمية لم يُلحظ إلا مؤخراً ، عندما لفت كيري نظر الإدارة الأمريكية إلى ذلك بعد أن عرضت إطلاق الجاسوس “بولارد” على الإسرائيليين لدفع عجلة المفاوضات مع الفلسطينيين ولم تُثمر وتبين ذلك أيضاً في ابتعاد السعودية لأنها شعرت بأن واشنطن فقدت دورها القيادي في الشرق الأوسط ..” .

وما يؤكد ذلك القلق الواضح عند حلفاء أمريكا الأساسيين في المنطقة ( السعودية وتركيا ) الذين أصبحوا اليوم أضعف من أي وقت سابق نتيجة السياسة الغبية التي اعتمدتها الولايات المتحدة وجعلتهم ينخرطون في معارك خاسرة وهي عاجزة عن استبدالهم ولكنها ممن الممكن التخلي عنهم، سيما وأن العالم اليوم يتجه بسرعة نحو تشكيل قوى إقليمية جديدة معادية لأمريكا ولسياساتها العنصرية، وسيؤدي اتساع دور هذه القوى بكل تأكيد إلى تراجع النفوذ الأمريكي أكثر فأكثر ، ويُهدد الأنظمة التابعة لها بالانهيار نتيجة فقدانهم للحاضن الشعبي المحلي ، وللمواقف العدائية التي افتعلوها مع دول الجوار وخاصة التدخل المباشر وغير المباشر في سورية ، ولم يستطع الرئيس الأمريكي ” باراك أوباما ” فعل أي شيء يُنقذ الدور الأمريكي في المنطقة على المستوى المنظور ، ولن يكون الرئيس القادم بعده أكثر حظاً منه في وقف مد القوى الإقليمية الجديدة التي تقودها سورية المنتصرة ، ويقف خلفها المحور الروسي الصيني ومجموعة دول البريكس ، التي أخذت دورها بقوة على الساحة العالمية ، وكانت أولى نتائجها تخليص الأمم المتحدة من تحت نير الهيمنة الأمريكية وإعادتها إلى دورها الذي يُحدده القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الناظمة لعمل المنظمات التابعة لها ، وهو بداية توازن دولي جديد أنهى سيطرة الولايات المتحدة على القرار الدولي .

من المؤكد بأن المنطقة قادمة على دوامة من العنف والإرهاب لا يُمكن تحديد حجمه وزمن نهايته من قبل أحد، وكانت قد سبق وحذرت دمشق من ذلك في أكثر من مناسبة بأنه : يُمكن للولايات المتحدة الأمريكية تحديد ساعة بدء الحرب ، لكنها لا تستطيع تحديد نهايتها ، ولكن عنجهية وغباء الساسة الأمريكان قادت العالم إلى حروب وهمية على الإرهاب من أجل تحقيق غايات استعمارية خاصة ، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة ولم تزل تمد الإرهابيين بكل وسائل القوة من أجل استخدامهم في المكان والوقت المناسبين لها ، ومن أجل  تدمير دول قائمة وتخريب مؤسساتها الرسمية لصالح المشروع الصهيوني الإرهابي الذي يهدف لتدمير المنطقة بكاملها والسيطرة عليها وربما على العالم.

  تُحاول الولايات المتحدة اليوم لعب آخر أوراقها من خلال دعم ما تُطلق عليها ” بالمعارضة السورية  المعتدلة ” ، وقد أوعزت لحلفائها في الخليج وتركيا الاستمرار بمد الإرهابيين بالسلاح النوعي ( صواريخ مضادة للدروع ومضادات جوية ) علّها تُغير في ميزان القوى على الأرض ، وتساهم في استمرار استنزاف الجيش والشعب السوري ، مما حدا بتركيا  للانخراط أكثر في الأزمة السورية وفتح الطريق أمام قوافل جديدة من الإرهابيين ودعمهم لوجستياً وعسكرياً ، وهي لم تتوان عن افتعال الذرائع للتدخل أكثر في سورية ونقل معركة الفساد مع أردوغان إلى معركة مع عدو جديد خارجي لإنقاذ حكومة ” أردوغان ” من الانهيار ، وقد يُعجل كشف الكاتب والصحفي الأمريكي ” سيمور هيرش ” الدور التركي وبإشراف مباشر من أردوغان ومخابراته استخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية قرب دمشق في 21 آب الماضي ، في فضح اللعبة التركية القذرة لتمرير ضربة عسكرية لسورية ، حيث أكد بأن المخابرات البريطانية والأمريكية على علم مسبق بامتلاك العناصر الإرهابية لأسلحة كيميائية تم الحصول عليها من تركيا ، واليوم يُحاول العثماني الجديد خلط الأوراق من جديد واللعب على وتر السيادة التركية التي يتم تهديدها من قبل ” داعش ” ولكنه لم يتخيل حجم الكارثة التي ستحصل في المنطقة في حال تهور الحكومة التركية والمبادرة إلى عدوان في سورية ، وإن تركيا ستكون الخاسر الأكبر في تلك المعركة  .

   محمد عبد الكريم مصطفى

Email: mohamad.a.mustafa@Gmail.com

البعث ميديا