مساحة حرة

ماذا بعد الاتفاق النووي الإيراني؟؟

برهن المفاوض الإيراني عن قدرة خارقة في إدارة لعبة المفاوضات وبات مضربا للأمثال  في الحنكة والصبر الاستراتيجي عز نظيرهما والسبب ليس طول سنوات التفاوض البالغة اثنتا عشر عاما وإنما بسبب حجم الضغوط الممارسة على إيران والتي كانت في خط بياني متصاعد مع بدء  كل جولة من الجولات وأقساها كان سيف العقوبات الاقتصادية الجائرة الذي رفعوه  فوق رأس المفاوض الإيراني  ولم ينزل لحظة واحدة طيلة سنوات التفاوض  بل ظل التهديد بعقوبات أكثر قسوة مخيما على الأجواء طوال هذه الأعوام.

لقد ركزت العقوبات الاقتصادية أساسا على الاستمرار في تجميد الودائع الإيرانية  التي تبلغ لدى الصين لوحدها أكثر من ١٥٠ مليار دولار كما تبلغ مئات المليارات  منذ عهد الشاه لدى البنوك الأوروبية والأمريكية وركزت العقوبات أيضا على قطاع النفط والغاز لاعتماد الاقتصاد الإيراني عليهما حيث تصنف إيران رابع دول العالم في الاحتياطي النفطي وثاني دولة في احتياطي الغاز فجاءت العقوبات النفطية الأمريكية والأوروبية تستهدف تركيع إيران اقتصاديا ومن ثم سياسيا حيث هبط دخلها من إنتاج الطاقة  إلى أكثر من النصف فخسرت إيران ما يعادل  ٦٢ مليار دولار سنويا.

لا داعي للقول من ربح ومن خسر في هذه المفاوضات فالطرف الذي يمتلك مخزونا من الصبر طوال عقد ونيف ولم يتنازل ولم يفرط  بحقوقه النووية واستمر ببرنامجه النووي تحت أقسى أنواع الضغوط دون توقف ومستعد لسنوات أخرى أطول من الصمود لاشك هو الرابح  وربحه الأكبر أنه انتزع اعترافا دوليا جماعيا بدخول النادي النووي وما هستيريا نتنياهو وقادة الكيان الصهيوني ومعهم حكام السعودية بعد انجاز الاتفاق إلا دليل على نجاح إيران في معركة التفاوض وأن المارد الإيراني قد انطلق كقوة إقليمية لا يمكن لأحد تجاوزها في معادلات المنطقة والعالم بعد اليوم .

وفي المواقف بدا الرئيس الإيراني حسن روحاني  رجل الدولة المتزن العميق  وصاحب الرؤية الإستراتيجية عندما استخلص العبرة واجري إسقاطا دقيقا حين قال :إن الاتفاق النووي فتح صفحة جديدة من تاريخ المنطقة والعالم وهو أن طريق حل الأزمات  في العالم أسهل وأقل كلفة عبر الحوار.

وكان موقف لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسية مثيرا للسخرية عندما قال بعد انتهاء المحادثات أنه يأمل أن يكون لفرنسا حصتها الاقتصادية العادلة من الانفتاح على إيران رغم مواقفها السلبية المعادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال المفاوضات وبذلك فضح  نفسه و كشف عن دوره المرسوم في نسفها أو عرقلتها على الأقل تسديدا للرشا الضخمة التي تلقاها من السعودية وعندما فشل راح يلهث وراء الحصول على فتات الحصص من الانفتاح القادم مما يشير إلى مقدار الانحطاط الذي وصلت إليه  سياسة حكومة هولاند بصورة لم يشهد تاريخ الحكومات الفرنسية السابقة له مثيلا.

وأما نتنياهو فقد بدا في موقف لا يحسد عليه عندما قال : الاتفاق النووي الإيراني خطأ سيء له أبعاد تاريخية و راح يتبجح بأنه  سيعمل على حمل الكونغرس على رفض التصديق على الاتفاق علما أن اوباما قال بعد الإعلان عن الاتفاق جازما : سأستخدم حق النقض ضد اي تشريع في الكونغرس يمنع تنفيذ اتفاق النووي.

هناك سؤال تسمعه أينما كنت ماذا بعد الاتفاق هل من انعكاسات إيجابية للاتفاق على ما يجري في المنطقة وبالتحديد على ما يجري في سورية ؟؟ نقول بالمحصلة لا بد أن ينعكس الاتفاق ايجابيا على الوضع في سورية من النواحي الميدانية والاقتصادية والسياسية ودور إيران كان فاعلا قبل الاتفاق في دعم الدولة السورية للقضاء على العصابات الإرهابية فكيف بعد ه ؟؟ الأمر  الطبيعي أن يصبح أكثر قوة  وفعالية بعد الاتفاق الذي حررها من القيود السياسية والعقوبات الاقتصادية ونقول أيضا لا يمكن لاتفاق بهذا الحجم إلا أن يكون له أبعاد سياسية على مجمل قضايا المنطقة وفي مقدمة هذه القضايا وأكثرها سخونة وخطورة العدوان الإرهابي على سورية وما جرى في اتصال أوباما مع بوتين لشكره على دوره المهم  في إنجاز الاتفاق النووي ما يشير إلى  ذلك فقد أكد الرئيسان : رغبة الجانبين في العمل معا على تخفيف التوتر في المنطقة، وخاصة في سورية  وأضاف اوباما أن لإيران دور في حل الأزمة في سورية وهذا تطور جديد في الموقف الأمريكي الذي دأب على تغييب إيران عن أية مساعي للحل.

ووزير الخارجية الألمانية كان أكثر صراحة عندما قال : أنه أصبح بالإمكان  بعد الاتفاق النووي الإيراني نزع فتيل النار من المناطق الساخنة وخاصة في سورية وراح العديد من المحللين يتوقعون بعدها أن تكون نهاية هذا العام بداية لطي صفحة الحرب الكونية الإرهابية على سورية .. قد تكون هذه التوقعات متفائلة جدا لكن المؤكد أن الحل بات أقرب من أي وقت مضى.

تركي صقر