مساحة حرة

ما بين الجلاء والقضاء على الإرهاب.. المعركة مستمرة

في السابع عشر من نيسان عام 1946 وقف قاسيون شامخاً فرحاً وهو يحتضن دمشق التي بدت كعروسٍ طاهرة تُزينها جدائل الياسمين وهي ترتدي ثوب الزفاف الأبيض بعد أن نالت حريتها الحقيقية مع خروج آخر عسكري فرنسي عن ترابها الوطني، وقف قاسيون منتصباً وهو يرنو باتجاه باقي مدن ومناطق وقرى سورية التي فرضت استقلالها ونالت حريتها بقوة الإرادة وعزيمة الأبطال التي لا تلين في وجه المستعمر الغادر، حيث استطاع شعبنا في هذا اليوم الأغر من تاريخ وطننا المنتفض على عهود الاحتلال والانتداب المشؤومة تحقيق الخطوة المنتظرة في طريق التحرر الكامل وطرد آخر جندي أجنبي عن تراب الوطن الذي ارتوى بدماء الشرفاء من أبطاله، وتم إنهاء مراحل السيطرة الاستعمارية المباشرة إلى غير عودة، والانطلاق نحو بداية مرحلة جديدة من النضال والمواجهة المتجددة للقضاء على بقايا الاستعمار من العملاء والرجعية، ووقف كل أشكال الاستغلال والتخلف فوق الأراضي العربية السورية وتحقيق الاستقلال الكامل على مساحة الوطن.

لقد كافح أجدادنا الأبطال كفاحاً دؤوباً عنيداً ، وخاضوا معارك غير متكافئة في سبيل الحصول على نعمة الحرية والاستقلال، ورسموا صوراً مشرفة في التضحية والفداء، وقدموا قوافل الشهداء في معارك الكرامة والعزة، حيث كانت معركة ميسلون قرب دمشق بقيادة وزير الدفاع السوري الشهيد البطل يوسف العظمة في 24 تموز من عام 1920، رسالة موقعة بدماء الأبطال من شعبنا الذين أبوا أن يدخل العدو الغازي بدون مواجهة ولو دخل على أجسادهم الطاهرة، على الرغم من تباين مستوى القوة ومعرفتهم المسبقة بنتيجة المعركة.

ونحن نسترجع المعاني السامية التي يُمثلها يوم السابع عشر من نيسان لا بدّ وأن نشير إلى الإرادة الوطنية العالية التي تمتع بها شعبنا في مواجهة الاستعمار القديم بوجهه الجديد وأدواته العفنة المأجورة من مجرمي الإرهاب والتكفير، وتصميمه القوي على خوض المعارك المتلاحقة للحفاظ على معنى الاستقلال الحقيقي وجوهره مهما طالت المواجهة ومهما تنوعت وسائل الغدر والمراوغة التي يبتكرها الاستعمار كل يوم لاستنزاف أمتنا، وإن شعبنا العربي في سورية وجيشه الوطني يواجهان اليوم حرباً كونية ظالمة وحاقدة تطال الجغرافيا والتاريخ والبشر منذ أكثر من أربعة أعوام ماضية محددة الأهداف بدقة عالية لتدمير الدولة السورية والقضاء على النظام العروبي المقاوم فيها، وتنفيذ الحلقة الأهم في رسم الخارطة النهائية للمشروع الصهيوني الهادف لإقامة مملكة يهوذا الكبرى من الفرات إلى النيل.

إن الصمود الأسطوري الذي يُحققه شعبنا في سورية ضد تلك الحرب، والانجازات الكبيرة التي يُحققها الجيش العربي السوري في مواجهة أدواتها على الأرض من العصابات الإرهابية التكفيرية، هو تعبير صادق وراسخ عن تمسك هذا الشعب بالحقوق الطبيعية والحفاظ على الإرث الحضاري والإنساني الذي استمده من قادة الثورات السورية التحررية في وجه الاستعمار الفرنسي في كافة المناطق السورية دفاعاً عن حرية وكرامة الوطن والتمسك باستقلال قراره السيادي مهما كلفه ذلك من تضحيات، يقول السيد الرئيس بشار في لقائه مع طلاب وأساتذة كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق العام الماضي: “إن سورية مستهدفة ليس فقط بحكم موقعها الجيوسياسي المهم، وإنما بسبب دورها التاريخي المحوري في المنطقة وتأثيرها الكبير على الشارع العربي، وما تتعرض له اليوم هو محاولة للسيطرة على قرارها المستقل..”.

إن الشعوب التي حصلت على استقلالها من الاستعمار الغربي خارج منطقتنا، اتجهت نضالاتها نحو التطور الاقتصادي والاجتماعي بعد أن حققت تحررها السياسي، وسارت في طريق التنمية المجتمعية الشاملة، بينما كان على شعبنا العربي أن يُركز نضاله وتضحياته ضد الخطر الأكبر الذي يُمثله الاستعمار الصهيوني العنصري الذي زرعه الاستعمار في أرض فلسطين العربية، ومده بكل مقومات القوة والاستمرار، والقدرة على التمدد في كافة الاتجاهات لتحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى مستعيناً بعملائه من مشيخات البترو دولار، وذلك من خلال تدمير الدول العربية المناهضة للمشروع الصهيوني وتقسيمها إلى كنتونات صغيرة متناحرة وعاجزة عن حماية ذاتها، لقد قال القائد الخالد حافظ الأسد في ذكرى الجلاء: “كان الدرس الكبير الذي تعلمه شعبنا العربي خلال كفاحه من أجل الاستقلال، أن الاستقلال لا يُمكن أن يكون نهاية المطاف في الصراع مع الاستعمار، وإن رحيل المستعمرين بقواتهم العسكرية وحكمهم المباشر لا يعني تخلي النظام الاستعماري العالمي عن أطماعه في العودة بشكل جديد إلى الأقطار التي رحل عنها ، وإن ذلك يترتب عليه أن تتغير أشكال نضال الشعوب وفقاً لتغير مرحلة نضالها…”.

إن انتصارات الجيش العربي السوري المتلاحقة على ساحة الوطن ستستمر رغم كل التهويل والعويل، وستنتهي بالانتصار الكبير على الإرهاب ومشغليه ومستثمريه حتى تنظيف سورية من كل أشكال الإرهاب والإجرام، وهي معركة دائمة ومتواصلة حتى تحرير كافة الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الجولان الحبيب واللواء السليب، وستتوج انتصارات شعبنا العربي في سورية بالقضاء على كل مظاهر الإرهاب الدولي وأدواته خدمةً للإنسانية في كل أنحاء العالم…

 

محمد عبد الكريم مصطفى