line1مساحة حرة

ما بين الشعبي والرسمي في الأزمة

بدأت تلوح في الأفق ملامح تغيّرات واعدة في المناخ العام للأزمة التي تعيشها البلاد.. تغيّرات بمثابة انعطافات إيجابية أنتجها وعي الشعب السوري، وصمود قواته المسلحة الباسلة والتماسك الصلب خلف شجاعة الرئيس بشار الأسد وحكمته، وما أنتجه هذا من تقدّم ميداني وسياسي، ووعي اجتماعي يزداد.

وبدأت تتجه إلى سورية وفود شعبية ورسمية من الغرب والشرق، بعد أن مهّدت مراكز الأبحاث والدراسات، وصنع القرار، لهذا الانعطاف، فطُرِحت آراء وأفكار كوّنت بمجملها مهاداً واقعياً للتراجع عن قراءات سابقة ومسبقة خاطئة ومتسرّعة في تحليل الواقع. وبالمحصّلة صار الاعتراف بخطر الإرهاب التكفيري الجوّال والعابر للحدود واقعاً لا مفرّ منه.

ومن هذا الجانب فإن مشهد الأزمة في سورية يختلف حقيقةً في بنيته وأدواته ووظيفته ووسائله عن المشهد في الأقطار العربية الأخرى، ولا يمكن لأي باحث أو سياسي أن يكون موضوعياً وواقعياً دون الاعتراف بهذا الاختلاف، ولحظه بعين التحليل والمفارقة.

مع التأكيد أن الانعطاف في مشهد الأزمة السورية سيؤثر إيجابياً على المشهد العربي عامة، من منطلق أن سورية قلب العروبة النابض طالما بادرت تاريخياً إلى التصدي لمواجهة تحديات المشروع والفكر الوطني العروبي التقدمي في مختلف الميادين، سواء أكان مصدر هذه التحديات صهيونياً، أم أطلسياً، أم رجعياً عربياً.

ويسوّغ اليوم مفكرو الغرب هذا الانعطاف، وهذه التغيّرات، وهذا التراجع بأفكار واستراتيجيات تنطلق من أنهم أشاروا منذ بداية الأزمة، أو قبيل ذلك، إلى أن ما يسمى بالربيع العربي هو حدث سياسي واجتماعي فريد في التاريخ المعاصر، خارق للتقاليد، أنتج منعطفات مؤلمة لم تكن بالحسبان، على الرغم من ادّعائهم التنبيه إلى المظاهر القادمة لنهاية الدولة الوطنية في الشرق الأوسط، وإلى بزوغ سيادة المجتمعات الافتراضية عصيّة التصنيف والتوصيف. ونجد بعض هذا في كتابات وتصريحات بريجنسكي، وكيسنجر، وتشومسكي، وفوكاياما التي تعبّر عن أهمية الدراسات المستقبلية في بيان ضرورة التوجّس من الإسلام الجهادي كونه خرج عن التحكّم وصار مصدر تهديد أساسي «لأي» نظام عالمي.

إذاً، لا بد من التوجه إلى سورية، فطعم كل شيء فيها مختلف. فسيفساء المنطقة والعالم. وعاصمتها الأقدم في التاريخ من حيث تواصل الحياة فيها حتى اليوم. وهي محك الشدائد الصلب والمحيّر أيضاً. هكذا ترى شعوب العالم، وهذا ما اضطر الرسميون إلى رؤيته ومعاينته، وسيزداد هذا الاضطرار أكثر يوماً بعد يوم.

لكن، هل من مراجعة نقدية داخلية شعبية ورسمية؟

في الواقع هذه المراجعة ناجزة ومستمرة منذ أول يوم من الأزمة – مثالها الساطع كلمتا الرئيس الأسد في 30 آذار 2011 أمام مجلس الشعب، و20 حزيران 2011 على مدرج جامعة دمشق – فقد أدت الأزمة لا شك إلى خسائر فادحة مادية ومعنوية على مختلف المستويات، لكنها بالمقابل أنتجت مبادرات فردية واجتماعية صادرة عن وعي وطني وانتماء أصيل جسّدت القدرة على إعادة تشكيل المجتمع الوطني العروبي من جديد، وترميم صدع الوحدة الوطنية التي أثبتت الأحداث أنها حقيقة كانت ولا تزال راسخة وقابلة للتشكّل من جديد.

لا شك، حدث في البداية ارتباك شعبي ورسمي، لكن المجتمع السوري طوّر أثناء الأزمة استجابات جديدة وفاعلة، فظهرت قوى وتيارات وطنية مؤيدة ومعارضة بما فيها من أحزاب وجمعيات وهيئات… لها جذور راسخة في التراث الوطني والعروبي السوري.

هذه القوى الجديدة أثارت تساؤلاً حول دور القوى الأقدم، ومنها أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية، إضافة إلى المؤسسات الحكومية، فدخلت معها في منافسة مشروعة ومجدية، وطرح الطرفان المبادرات الإيجابية التي أسهمت في تعزيز الصمود الوطني وأضفت الحيوية على الحياة السياسية، فتحقق بذلك تكامل على المستويين الشعبي والرسمي كان له دور أساسي في مواجهة الأزمة والتصدي لآثارها الاجتماعية والفكرية والنفسية.

وفي مقابل هذا التكامل الإيجابي أفرزت الأزمة مظاهر سلبية أثارت السخط الشعبي، والاضطراب الاجتماعي جراء الفساد الإداري والاتجار بالأزمة من قبل من لا يستحقون مجرد الاستماع إلى مطلع خطاب الرفيق القائد بشار الأسد في 20 حزيران على مدرج جامعة دمشق: السلام عليكم وعلى سورية وعلى كل من يحمي هذا الوطن الغالي… وعلى كل من سهر ويسهر على منع الفتنة ووأدها في جحورها الكريهة.

وقد كان البعثيون متميزين في جرأة طروحاتهم ومناقشاتهم لهذه المظاهر، ولاسيما في مؤتمرات مؤسسات الحزب السنوية التي ناقشت فيما ناقشت التكامل، والمفارقة مابين الشعبي والرسمي في الأداء الوطني خلال الأزمة، وقد عبّرت قيادتهم في لقاءات أعضائها أنها مقبلة من هذا المنطلق على مراجعة تنظيمية ستنتج تغييراً واعداً على أساس الدور الاجتماعي، والأداء الوطني خلال الأزمة التاريخية.

والحزب الحاكم دستورياً مؤهل بل مطالب بقيادة تغيير مرتقب ناجح وأوسع.

د. عبد اللطيف عمران

277