مساحة حرة

ما بين قوة الإرادة.. ووهم القوة

لقد أخطأت الولايات المتحدة عندما اعتقدت بأنها قادرة على تسيير حركة التاريخ في العالم وفق رغباتها الانانية وبما يُلبي طموحاتها الاستعمارية ويخدم مصالحها السياسية والاقتصادية بعيداً عن الاهتمام بمصالح الشعوب الأخرى وحاجاتها المتنامية، حيث فشلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في التعبير عن ذاتها كقوة عالمية وحيدة لها وحدها حق لعب دور الشرطي الدولي الذي يُخيف الجميع بقوة السلاح وهيبة اسم الدولة الأقوى في العالم، لكن بنفس الوقت علينا أن نعترف بأنها نجحت مرحلياً في تنفيذ الكثير من مخططاتها التخريبية في المجتمع العربي والاسلامي من خلال دعمها اللامتناهي للكيان الصهيوني الذي تم زرعه في قلب الوطن العربي بموافقة ومباركة من عملائها شيوخ النفط والخيانة في السعودية  وغيرها من ممالك الرمال، واليوم تمارس الإدارة الأمريكية لعبة وهم القوة في انسحابها التكتيكي من معركة خاسرة بامتياز دون ان تعترف علناً بضعف دورها القادم عندما اصطدمت حقيقة بجدار قوة الإرادة الصلب عند السوريين الذين استطاعوا بعد أكثر من أربع سنوات ونيف تغيير قواعد اللعبة وسيطروا على مفاتيح الحل ليس في سورية وحدها فحسب، بل كذلك في الخارطة الجيوسياسية الجديدة للعالم من خلال إدارة المعركة التي امتدت إلى خارج حدود الأمة رغم كل الضخ المالي والعسكري والبشري باتجاه سورية، وباتت التنظيمات الإرهابية المصنعة امريكياً تُهدد الجميع دون استثناء بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بعد أن انفلتت من عقالها وتحولت إلى وحش كاسر حدد انتشاره في كافة الاتجاهات مُتسلحاً بثقافة الإرهاب التكفيرية المبنية على الايديولوجيا الوهابية المنافية للدين ولمنطق االتاريخ والإنسانية.

لقد جاء اعتراف الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” متأخراً جداً بالرغم من دلالاته العملاتية عندما قال: “بأن أمريكا تعلمت من درس العراق أنه لا يُمكن للقوة وحدها أن تفرض النظام في العالم”، في نفس الوقت الذي تسربت فيه دراسة صادرة عن الكونغرس الأمريكي تؤكد افتقار السلطات الأمريكية لاستراتيجية التصدي لظاهرة انخراط مواطنيها في صفوف التنظيمات الإرهابية وخاصة ضمن تنظيم داعش في سورية والعراق، وعدم اكتراثها بحجم الخطر الذي يحمله هؤلاء العائدون من تحت عباءة الإرهاب تجاه بلادهم بعد أن مارسوا كل أشكال الفساد  والقتل والإجرام في الدول العربية التي قاتلوا فيها تحت اسم “الجهاديين”..

في حين عبر الموقف الروسي الصلب على لسان الرئيس فلاديمير بوتن في خطابه الأخير بمناسبة الدورة السبعين للأمم المتحدة عن إرادة الحق التي تنشدها شعوب العالم المظلومة وتدافع عنها بكل إمكانياتها المتاحة، كما تُمثل انتصاراً كبيراً  للقانون الدولي والتشريعات الدولية التي تعودت الإدارات الأمريكية على انتهاكها باستمرار عبر التاريخ، وشكلت في الوقت ذاته يقظة إلزامية لأعداء سورية الذين تعودو اجترار المواقف والتصريحات المعادية لسورية وشعبها وقيادتها كما يفعل رئيس الوزراء التركي “داوود أوغلو” والرئيس الفرنسي “هولاند” عندما يتحدثون عن مستقبل سورية وقيادتها ، لذلك اقتضى الأمر تذكير السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري لهؤلاء بانه: “لا أوباما ولا غيره قادرون على تحديد خيار الشعب السوري..”.

وتأتي اليوم الضربات الجوية الروسية على عدة مواقع إرهابية في سورية تلبية موضوعية لمتطلبات المعركة الجديدة، ليس تعويضاً عن ضعف في مستوى أداء  الجيش العربي السوري الذي لم يُعلن عجزه كما يدعي البعض ممن يُريدون الصيد في المياه العكرة، بل هي رد فعل طبيعي على عجز ما سميت بقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية التي أثبتت عدم جديتها في القضاء على التنظيمات الإرهابية في سورية وخاصة جبهة النصرة وداعش، لذلك جاءت الضربات الجوية الروسية من أجل التعويض عن فشل قوات التحالف الأمريكية في تحقيق تقدم حقيقي على الأرض من جهة، ولإثبات بأن كل المجموعات الإرهابية المسلحة ضد الدولة السورية هي في موقع المستهدف إنطلاقاً من مبدأ السيادة الوطنية ووحدة الجيش الوطني، وكذلك تمهيداً لفرض واقع جديد أمام القوات العربية السورية التي تُقدم إنجازات جدية في معركة تنظيف سورية بالكامل من جميع العناصر الإرهابية، وفتح الباب أمام حوار واعي لإنضاج حل سياسي قابل للحياة برعاية الدولة السورية وحكومتها الشرعية.

يؤكد المراقبون بان الصمود السوري جيشاً وشعباً الذي واجه أقوى وأشرس حركات الإرهاب في العالم على مدى أربع سنوات ونصف، هو من فضح الدور الأمريكي المحرض لاستمرار حالة الحرب واستنزاف قدرات الشعوب في سورية والمنطقة، وقد أكد ذلك الخطاب الطائفي المقيت الذي ألقاه وزير خارجية أمريكا اليوم في مجلس الأمن ضد الدور الروسي الجديد في سورية، متناسياً ما قامت به الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها من تخريب متعمد لأسس استقرار المجتمعات العربية تحت شعار “الفوضى الخلاقة” من اجل شرق أوسط كبير أو جديد!

لقد بدأت بوادر الشرق الأوسط الجديد الذي وعد به السيد الرئيس بشار الأسد بالظهور إنطلاقاً من العمل الجاد للقضاء على الإرهاب وداعميه بالتعاون مع الحلفاء في المنطقة والعالم، وهو المشروع الذي تقوم برسم خارطته الجديدة القوى التقدمية في المنطقة وعلى رأسها القيادة السورية الوطنية وحلفائها في العالم الحضاري من روسيا الاتحادية إلى الصين مروراً بالدول الحليفة في أمريكا اللاتينية وغيرها وإن غداً لناظره قريب..

محمد عبد الكريم مصطفى