مساحة حرة

مضمونياً .. لم تلغ القيادة القومية «يوريكـــــــا» بعثيــــــــــة !

منذ أن خرج العالم اليوناني أرخميدس من الحمام مهرولاً يصرخ في شوارع سيراكوزا: وجدتها.. وجدتها (يوريكا.. يوريكا) في القرن الثالث قبل الميلاد، والناس دائماً يبحثون عن حل للقضايا المطروحة دون التوقف عند الصيغ القائمة التي أدت مهمتها ومهدت للانتقال إلى صيغ أفضل.اكتشف الرجل عندها قانون ضغط الماء فاتحاً بذلك آفاقاً واسعة للتقدم.

هذه هي فلسفة التطور وحيوية الحياة. لاشك في أن أهم قانون عام في الطبيعة والمجتمع وحياة الفرد هو قانون التطور لأن الجمود يعني التراجع مادام الكون يتحرك.

الانتقال من الشكلانية إلى المضمونية مسألة مهمة وصعبة، لكنها ضرورية لأن على الشكل أن يخدم المضمون في النهاية وليس العكس، ومادام المضمون دينامياً فلا يمكن أن يبقى الشكل سكونياً.

لم نخترع الدولاب ولا النار ولم نكتشف العالم الجديد. هذه كلها أمور اخترعت واكتشفت منذ زمان طويل. المهم أن نستفيد من التجارب ونقولبها بما يناسب واقعنا وأهدافنا ويعزز دينامية الحركة إلى الأمام.

الحركة الاشتراكية – الديمقراطية في أوروبا واجهت مسائل شبيهة منذ نشوئها في (الأممية الثانية) ستينيات القرن التاسع عشر وحتى وصولها إلى مرحلة «الاشتراكية الدولية» ومقرها ستراسبورغ.

مضمونياً.. لا، لم تلغ «القيادة القومية» للحزب وإنما تحول دورها إلى «المجلس القومي»وفق صيغة أكثر ديمقراطية وهي أن تشترك جميع التنظيمات البعثية في الوطن العربي في وضع استراتيجياتها القومية العامة مع استقلالية تامة لكل تنظيم أو حزب في حياته التنظيمية والبرامجية داخل قطره.

الفكرة هي ليست في تجزئة الفكر القومي وتحويله إلى قطري، العكس هو الصحيح، إنها في إسهام البعثيين في أي قطر عربي بأن يعملوا لتعزيز المضامين القومية للدولة القطرية. عندها لا يعود وجود هذه الدولة منافياً للتوجه القومي على طريقة (القطر أولاً) وإنما تصبح الوطنية الحقيقية هي إعادة توجيه الواقع القطري باتجاه الجوهر القومي..

هذا هو المحرك العروبي الأفضل في هذه المرحلة من تطور الأمة، وهو محرك واقعي. ولأنه كذلك يستطيع الدفع إلى الأمام باتجاه تعزيز الكينونة القومية لأقطارنا العربية. وهذه هي مهمة البعثيين في الوطن العربي.

لا لم تلغ القيادة القومية مضمونياً، وإنما ألغي الأسلوب الآمر لصالح الأسلوب التشاوري، وهو الأفضل في هذه المرحلة لأنه الأقرب إلى الواقع.

المجلس القومي يطبق تماماً مفهوم القيادة الجماعية، ومادمنا هنا نتحدث عن قيادة فهذا يعني أن العملية لا تقف عند الاستشارة وإنما تؤكد على «التشاورية» في النشاط البعثي على مستوى واقع فيه أقطار مستقلة، بالمعنى الواقعي، مترابطة بالمعنى الجوهري.. القومي..

والفرق بين الاستشاري والتشاوري هو أن الأول يقدم الرأي الفني والمشورة فقط بينما الثاني يعرض الأفكار بغية الاتفاق على رأي موحد.

د. مهدي دخل الله