مساحة حرة

مفاجآت تنتظر حكام الخليج في «قمة كامب ديفيد»

استباقاً للقمة التي دعاهم إليها باراك أوباما منتصف الشهر الحالي في كامب ديفيد، عقد حكام الخليج القمة التشاورية لدول مجلس التعاون الخليجي

وهي بمنزلة قمة تحضيرية تحسباً لمفاجآت ربما تكون مرعبة بالنسبة لهم لجهتين؛ الأولى: إصرار الإدارة الأمريكية على توقيع الاتفاق النووي النهائي مع إيران حتى بالشروط الإيرانية.. والثانية: تتعلق بسياساتهم الداخلية في ما يتعلق بحقوق الإنسان والتحديث السياسي في مملكاتهم ومشيخاتهم المهترئة بعد أن قال لهم أوباما صراحة «إن الخطر عليهم يأتي من سخط شعبهم في الداخل وليس من إيران».

وتجاه مخاوف حكام السعودية من مفاجآت القمة مع أوباما حاول هؤلاء تجميع «أوراق قوة» في أيديهم من خلال الظهور بأنهم متضامنون وأنهم وضعوا جانباً خلافاتهم، وكسروا حواجز التكتلات خارج الإطار الواحد، وأجمعوا معاً على لائحة أولويات تعنيهم وتعني أمن الخليج واستقراره، ربما هي الرسالة الأولى لقمة «كامب ديفيد» الوشيكة بعدما كثر الهمس والجهر عن انشقاقات في الأرض المشتركة التي يقفون عليها، وأظهروا أنفسهم في «قمة الرياض» التحضيرية بأنهم «القوة العسكرية الموحدة»، والخليج المتحالف مع دول المحيط العربي والإسلامي وصاحب العلاقة المميزة مع الغرب وخاصة مع فرنسا هولاند الذي حضر قمتهم، وجرى هذا كله من أجل تقديمها كأوراق ضغط متعددة، ولكنها موجهة إلى جبهة واحدة، هي جبهة الحروب الإرهابية التكفيرية ضد إيران، وسورية وليبيا، والعراق ولبنان وفلسطين.

لكن حسابات الحقل الخليجي عامة والسعودي خاصة ليس بالضرورة أن تتطابق مع حسابات بيدر أوباما بشأن العديد من القضايا، فأنظمة الخليج أعجز من الوقوف في وجه الإدارة الأمريكية ومنعها من التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران عندما ترى أن مصلحتها بعدم تفويت فرصة التوقيع، وهي ستصرف ذلك من خلال إبرام اتفاقات دفاعية جديدة بين الولايات المتحدة ودول الخليج كنشر الدرع الصاروخية لمواجهة الصواريخ الإيرانية ومنها صواريخ «إس 300» الروسية الأخيرة، واحتمال تزويدها بصواريخ «ج بي يو 28» الموجهة بالليزر التي تستخدم لاختراق مراكز القيادة الموجودة في أعماق الأرض، وربما يجري عقد اتفاقات دفاع مشترك لحماية أمن الخليج من أي مخاطر إقليمية بما يصب في استنزاف دول الخليج مالياً، ويبدو أن التسابق الغربي- الأمريكي للاستنزاف قد بات على أشده من خلال التوريط في الحرب على اليمن وتمويل الحروب الإرهابية في المنطقة، وهذا ما ظهر من هرولة هولاند وعقده صفقات أسلحة وطائرات «رافال» بمليارات الدولارات وحضوره «قمة» مجلس التعاون الخليجي في سابقة تحدث أول مرة.

وبالنسبة للأزمة اليمنية، التي ستكون من بين موضوعات قمة واشنطن الخليجية مع أوباما لم يعد سراً وجود خلافات أمريكية- سعودية في ما يتعلق بإدارة الأزمة اليمنية، إذ تريد واشنطن إنقاذ حليفها السعودي بعد مضي أكثر من شهر على حربه الفاشلة وعدم تحقيق أي هدف سياسي، فوصل كيري على عجل إلى الرياض واقترح هدنة مدة خمسة أيام قابلة للتمديد، كما تريد واشنطن حواراً يمنياً يشمل أصدقاء إيران في اليمن، في حين أن السعودية ترفض ذلك، لكن اللافت للنظر، أنّ الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي أعلن مؤتمراً يمنياً للحوار تقرّر عقده في الرياض، بالتزامن مع القمة الخليجية الأمريكية في واشنطن وكأن دول الخليج تريد وضع أوباما أمام الأمر الواقع بأنّ الحوار لن يشمل أصدقاء إيران في اليمن، إذ إنّ اختيار الرياض مكاناً للحوار يعني عدم حضورهم.

وأما بالنسبة لبقية القضايا فهناك تباينات واضحة في المواقف لكن ما يتصدرها الموقف من الأزمة في سورية، حيث تراهن السعودية ومعها قطر وتركيا على إقامة ما يسمى«مناطق عازلة» بحماية أمريكية، لكن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر فاجأهم عندما أعلن أمام الكونغرس مؤخراً أن لا تفكير لدى إدارته بإقامة «منطقة عازلة» في سورية لأن ذلك سيفرض على أمريكا الدخول في قتال لإقامة «المنطقة العازلة» ومن ثم الحفاظ عليها، ولهذا فإن هذه المسألة يصعب التفكير بها، كما ظهر أن لا تغيير في مبدأ قائد الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي، الذي تحولت اقتراحاته إلى دليل عمل للرئيس باراك أوباما وخطاً أحمر للتورط الأمريكي المباشر، وتحمل الكلفة الباهظة لأي «حظر جوي» في سورية مع رفض الانزلاق نحو عملية برية، فضلاً عن مواصلة واشنطن المماطلة في تدريب القوة «المعتدلة» في تركيا المستمر منذ عام ونصف العام.

ومن عقم سياسة بني سعود وضحالة تفكيرهم مراهناتهم بالضغط على إدارة أوباما من خلال تقوية الدور الفرنسي وربطه بإغراءات مالية فاحشة، وهذا مناف للواقع تماماً نظراً لما تمثله حكومة هولاند من تبعية مطلقة لسياسة البيت الأبيض في كل القضايا الدولية، وما يقوم به هولاند متفق عليه ولا يتعدى ممارسة لعبة توزيع الأدوار لتقاسم صفقات الأسلحة التي أصبحت بالنسبة لدول الخليج مسألة حياة أو موت بعد حملات التخويف الأمريكي والغربي والإسرائيلي من إيران، وتعرف باريس التي تعزّز حضورها في الخليج عبر «شراكة مميّزة» مع دوله، أنها غير قادرة على أن تكون بديلاً عن واشنطن التي لا ترغب بالتورط العسكري في مناطق الأزمات الساخنة، فقرار إدارة أوباما الاستراتيجي ليس جديداً ألا وهو عدم شن حروب برية مباشرة بعد الآن، والاكتفاء بمعارك القوة الناعمة وتشجيع الحروب بالوكالة مثل الحروب الإرهابية التكفيرية المسيرة أمريكياً عن بعد في معظم دول المنطقة .

والخلاصة أن هناك مفاجآت قد لاتكون سارة تنتظر حكام الخليج في قمة «كامب ديفيد» الوشيكة مع أوباما الذي يعرف أن هؤلاء الحكام القادمين إليه منخورون من الداخل حتى النخاع، وأنهم بحاجة ماسة لرضاه من أجل حماية عروشهم الفاسدة، ولذلك سوف يكرر على مسامعهم ما قاله أمس حول الأخطار الداخلية المحيطة بهم وضرورة المسارعة إلى الإصلاح والتحديث السياسي، وأن يتركوا الملف النووي الإيراني جانباً، وأقصى ما لديه لطمأنتهم في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع إيران هو وعود مضخمة بإقامة مظلّة أمنية، أو حماية صاروخية لقاء استباحة كاملة لخزائنهم البترودولارية.

د. تركي صقر