مساحة حرة

من أدار دفة الجدل حول المرسوم “16”؟   

يبقى الجدل الديني في سورية قائم وهو الأهم منذ الإعلان عن المرسوم التشريعي رقم 16، وظهور تسجيلات للشيخ محمد خير الشعال واللغط في فيديو ينسب لوزير الأوقاف عبد الستار السيد.

لكن السؤال يبقى من يدير دفة هذا الجدال وما الغاية منه، وهل الوضع الديني هو غاية في الأهمية الآن في بلد تشظت بنيته التحتية والاقتصادية والاجتماعية جراء أزمة دامت قرابة الثماني سنوات.

هل انتهت الحرب، كلا، هل الوضع المعيشي والاجتماعي للشعب يسمح له بالذهاب بعيداً في متطلباته لحل أزمة من نوع ديني لا اعتقد.

اذاً لما كل هذه الضوضاء، وجميع هذه المبررات ونفيها، والاشمئزاز والتقزز والدفاع والمحاماة، لا أعرف، ربما لأن كلاً من الطرفين يسعى لتثبيت وجهة نظره ووجوده عقب انتهاء الحرب.

المتدين يسعى لإبراز وجهة الحضاري، ونقيضه ينعته بالتخلف والجهل، المتدين يبرئ نفسه من الحرب، ونقيضه يتهمه بضياع جيل كامل من الشباب في متاهات التطرف.

الحق في أني أقول نقيض المتدين هو لأنني لم أعرف من هو الطرف الآخر الذي يهاجم وزارة الأوقاف، لست هنا بداعي الدفاع عنها لكنني كمحايد لهذه الحرب الفكرية أرى بأن الأوقاف هي وزارة ذات فكر ديني وهي مؤسسة لها تنظيم وتراتبية إدارية فلها الحق أن تنفض عن نفسها الغبار وتسعى للصحوة، لكن النقيض الذي يهاجمهم من هو، هو في الحقيقة سراب.

المشكلة الكبرى في الجيل الجديد هذه الأيام بأن هناك من يقول أنني علماني، فتسأله ما العلمانية فيجيب هي “ضرورة فصل الدين عن السياسة”، لكن ماذا بعد؟ لاشيء سوى كلام منمق حضاري.

وآخر يقول أنا ملحد أكره ذكر اسم الدين، تسأله من هو الملحد فيجيبك الذي لا يؤمن بوجود إله! وماذا بعد أيضاً، لا شيء، حسناً فلتكن ملحداً ولكن فلتسأل نفسك إن كان الدين عبر آلاف السنين قد خلق بنية اجتماعية اخلاقية مقبولة، فأنت بإلحادك، وبرمي كل هذه المصفوفة المجتمعية، أنت مطالب ببديل يضبط هذا المجتمع.

إذاً من هو هذا النقيض الذي يهاجم المرسوم، هو شيء لا هوية ولا تنظيم ولا اتجاه، هم بعض الكتاب و”المثقفين” يرمون بفكرتهم ويتركون الآخرين للسباحة في مستنقع افكارهم.

أنا ايضاً لست متفقا مع المرسوم، هل قرأته ايضاً: لا.. أنا اسبح في مستنقع الفكرة.. أنا شاب أيضاً لا تنظيم ولا مؤسسة ولا بنيان يوجه تفكيري، لكنني اؤمن بأن فكرة وزارة الاوقاف ومحاولتها ستفشل لأنه كما يقال إعادة تجريب تجربة سبق وأن فشلت هو نوع من التخبط.

إن سورية العظيمة تائهة الافكار والفكر وهذه أول مجابهة فكرية بين نقيضين بعد الحرب، وزارة الاوقاف تبادر بالعمل والنقيض يستفز، لا بل حتى أن بعض المنادين دعوا للهجرة!! لم نهاجر أيام كان الموت يلاحقنا فهل نهاجر عندما طلب منا السلم؟

وزارة الأوقاف تباشر بالعمل ليكن ما يكن وهذا حقها، وعلينا القبول، لا الهجوم عليها وطلب اغلاقها وإلا لما اختلفنا عن المتطرفين، فالتطرف تطرف العقل وليس الطريقة، وإن كنت اشك بأن تطرف المثقفين والعلمانين، والتاريخ يشهد، أشد فتكاً، ذلك موضوع آخر لم نصل اليه بعد.

لكن إن كنتم أيها المفكرون والعقلاء تغضبون هذا الغضب العشوائي أفليس من الأفضل توجيه الملامة لوزارة الثقافة ووزارة التعليم كونهما الحصن الحصين للعلم والثقافة. أليس هناك استقلالية في عمل الوزارت؟ فلنناشدهم ولندفعهم للعمل والرد، فمن حق أي وزارة أن تطالب بما تراه من مصلحتها من مراسيم.

أيا يكن… أنا ملحد، لكن اؤمن بإلهي الذي أصوغه على ما أشاء، وليس على ما تشاؤون. مات ذلك الزمان.. والآن لكلٍ إلهه، فأنا ملحد وأكره رؤية وسماع عظات رجل دين، لكن لا يعني ذلك بأنه يحق لي أن أخرسه او اقتله، لي الحق فقط بنقاشه.

مرة أخرى، هل قرأت المرسوم التشريعي، نعم، هل يغيظك المرسوم التشريعي كلا هل سمعت بمقابلة لوزير الأوقاف، كلا، أنا جائع لا تعنيني كل هذه المواضيع.

 

علي الجندي