مساحة حرة

من الإستراتيجيا إلى التكتيك.. الهدف واحد!

 

أعتقد جازماً بأن كل ذي بصيرة يُشاركني الرأي بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل وفق إستراتيجيا متكاملة بعيدة المدى، مهما تغيرت الوسائل والأدوات وتبدلت أساليب  التكتيك التي تُميز رؤية الإدارات الأمريكية التي تُدير المعركة لخدمة الهدف ذاته، ولذلك فهي تُصيغ خطط سياساتها الخارجية وفق قاعدة الثابت والمتحول في قواعد المعركة، أوما نصفه نحن في تقييمنا لعمل الإدارة الأمريكية والية تحديد مواقفها السياسية “بإزدواجية المعايير” في التعاطي مع الأحداث والوقائع بطريقة مختلفة ومتنوعة إلى حد التباين ما بين التصريحات والمواقف النظرية وبين التعامل مع الأمور على أرض الواقع.

إن ما نشاهده ونقرأه من تحليلات حول مواقف جديدة للإدارة الأمريكية واستدارة بخصوص الحرب المفروضة على سورية ما هو إلا تحولات تكتيكية فرضتها طبيعة المعركة ونتائجها على الأرض في محاولة خبيثة لامتصاص صدمة الفشل الكبير الذي واجهته السياسة الأمريكية في سورية وفق رؤية أغلب المحللين الغربيين، حيث أنها لم تتمكن من تحقيق أية انجازات نوعية على الأرض تخدم الهدف الأساسي من الحرب في سورية التي تُديرها الولايات المتحدة بالوكالة أحياناً وبالأصالة أحياناً اخرى، ولم تستطع النيل من تماسك الجيش العربي السوري أو ضرب قوته الأساسية الكامنة، وكذلك فشلت في تدمير بنية مؤسسات الدولة وتعميم حالة الفوضى بين أطياف الشعب السوري وإثارة النزعات الدينية أو العشائرية أو الإقليمية أو غيرها تحت مسميات مختلفة.

وبالرغم من أننا لم نثق يوماً بالولايات المتحدة ولا نأمن لنواياها تجاهنا ، لا نستغرب تصريحاتها وتصريحات أدواتها في المنطقة، وإن قراءة موضوعية للخيارات الممكنة أمام أعداء سورية نجد أنه ليس أمامها سوى التسليم بأن من يرسم الخارطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها هم وحدهم من يقوم بذلك، وإن صمود سورية شعباً وقيادة وانتصارات الجيش العربي السوري على الأرض هو من أعطى الحلفاء في إيران وروسيا والصين دوراً محورياً في تحديد مستقبل المنطقة برمتها بعد الاعتراف الضمني الذي وصل إليه الغرب وعكسه الاتفاق النووي مع إيران، كما أن الحالة السورية ومجرياتها أدت إلى عودة المنظمة الدولية لدورها الطبيعي الذي سلبته الإدارة الأمريكية لعقود ماضية، لكن السؤال الذي يفرض ذاتها هنا هو: لماذا لم تعترف الإدارة الامريكية وحلفاؤها بفشل مشروعها الشرق أوسطي الجديد علانية ولم تزل تجتر المواقف السابقة بين الفينة والأخرى؟ ولماذا تستمر أدوات الولايات المتحدة في المنطقة باللعب على نفس الوتر السابق حول سورية رغم قبول سيدهم بأسس الحل الذي رسمته الدول الحليفة لسورية ممثلةً بإيران وروسيا والصين؟

ربما لم تستوعب بعد مجموعة أعداء سورية الإقليمية (السعودية وقطر وتركيا ومعهم حكومة الكيان الصهيوني) الرسائل المتبادلة بين الغرب والشرق التي كان كان آخرها سحب بطاريات البتريوت من الحدود التركية السورية، بعد إقرارها بأنه لا يوجد خطر على حدود الحلف الأطلسي انطلاقاً من سورية، كما انهم لم يستوعبوا حجم الخطر القادم باتجاههم من جوارهم الإرهابي المتنامي بشكل سرطاني، ولم يتحسسوا آثار البركان الشعبي الذي قد لا يستمر في هدوئه إلى ما لا نهاية.

في الوقت الذي اعتمد فيه مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً حول الحل السياسي للأزمة في سورية (وهو بيان غير ملزم) نجد أن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “ستيفان ديمستورا” يبتعد في العديد من مواقفه عن الحيادية والموضوعية في توصيف الحالة السورية، كونه بدأ مرحلة التصريحات الإعلامية  الكثيرة وأخذ يخلط بين دور الدولة ومؤسساتها الرسمية ومهامها الموجبة، وبين دور العصابات الإرهابية المجرمة التخريبي، كان من الأجدى له التخلي عن تبني أراء منظومة أعداء سورية التي اعتمدت الكذب منهجاً طيلة العدوان على سورية والعمل وفق قاعدة البيانات الحقيقية المستمدة من الأرض والمؤسسات الرسمية المستندة الى مصداقية وحيادية لكي تنال القبول والنجاح، ولكن ما نسمعه من تصريحات للموفد الأممي تُعطي عكس ذلك، وما صدر في الأونة الأخيرة عن دول تقوم بدعم الإرهاب ومشاركته الحرب على سورية يصب في نفس السياق وبخلاف ما توجبه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإن تصريحات وزير خارجية آل سعود الأخيرة من موسكو هي مؤشر كذلك لتبادل الأدوار في عملية استمرار استنزاف سورية.

ان الرسائل السياسية السورية للعالم والمؤيدة من الحلفاء في إيران ومجموعة دول البريكس، وخاصة منها روسيا الاتحادية مفهومة وواضحة وضوح الشمس، ومضمونها يوحي بأنه من غير المقبول فرض أي حل في سورية من الخارج لا يقبله الشعب السوري بأغلبيته (أليس هذا ما تؤيده الديمقراطية الحقيقية؟)، وإن خطوط سورية الحمراء أصبحت معروفة للجميع وهي محاربة الإرهاب أولوية غير قابلة للنقاش حتى تحرير كامل التراب السوري، والتمسك بالثوابت الوطنية المقدسة في سورية وهي ثلاث أولها وحدة واستقلال سورية، وثانيها حماية الجيش العربي السوري، وثالثها مقام الرئاسة هذه هي ثوابت وطنية لا يحق لأي جهة في العالم المساس بهذه الثوابت، وإن أي حل أو مبادرة أو طرح  يتعارض مع هذه الثوابت مرفوض في سورية بالمطلق على المستوى الرسمي والشعبي، وإن ثقة الشعب السوري بانتصار جيشه وقواته الوطنية وحلفائهم في محور المقاومة هي راسخة في الوجدان، كما أنها تتوضح يوماً بعد آخر.

 

محمد عبد الكريم مصطفى