مساحة حرة

مهمة ديمستورا والإرادة المفقودة!!

لم يكن المبعوث الدولي “ستيفان ديمستورا” أكثر حظاً من سابقيه، ربما باستثناء تعويضاته المادية التي وصلت إلى حد الكفاية للعيش بنعمة وافرة لبقية الحياة المكتوبة له، وهي كانت بكل تأكيد على حساب الشعب السوري وباسم قضيته الظالمة التي أسموها الأزمة السورية والتي افتعلها الغرب الاستعماري واستثمرها بطريقة قذرة عبر عملائه وادواته المحليين والإقليميين، ليخرج علينا الميّسر وفق ما يُنادى به في نهاية المطاف وبعد سنوات طويلة من الحرب والتدخلات المباشرة وغير المباشرة والمباحثات والمبادرات المختلفة النوايا والأساليب والأخذ والرد بطرح نظرية الموت الرحيم عبر أجندة لا غالب ولا مغلوب وذلك بتقسيم وتقاسم مناطق النفوذ وجغرافييتها على وقع المزمار الأمريكي المخادع الذ يقف عائق حقيقي أمام أية طروح سياسية للحل، بعد أن قدم السوريون التضحيات الغالية دفاعاً عن وطنهم ووحدته، ولمنع مرور تلك الأفكار وخسروا الكثير وعاشوا كل أشكال القتل والخطف والتهجير للحيلولة دونها، وتأتي مهمة المبعوث ” أو الميّسر ” الأممي سلةً خالية الثمر ولا تعدو كونها تتمةً لمشهد من المسرحية الهزلية التي طال عرضها – أكثر من خمس سنوات متواصلة – دون أن تتمكن من إركاع سورية شعباً وجيشاً وقيادة رغم كل التخريب والتدمير الذي لحق بالجسد السوري، حيث لم تكن في يومٍ من الأيام مهمة المبعوثين الدوليين نزيهة وتنطلق من حب الشعب السوري ورغبةً في إنقاذ سورية وشعبها من كارثة الحرب التي طالت كل مكونات الدولة والمجتمع لأن إرادة الحل لم تتوفر أصلاً عند المبعوث الأممي ديمستورا كما سابقيه، بل جاءت لفرض واقع جديد عبر الحوار السياسي والتفاوض كانوا قد عجزوا عن تحقيقه بالقوة طيلة السنوات الماضية من عمر الحرب وفشلوا في كسر إرادة الصمود والعزة التي يتمتع بها السوريون بكل اقتدار طيلة زمن الحرب وقد أبهرت العالم بأسره .

بينت مماطلة المبعوث الأممي إلى سورية ” ستيفان ديمستورا ”  وعدم رغبته في تحديد موعد قريب للحوار السوري – السوري في جنيف ومحاولاته ربط ذلك بالمباحثات الأمريكية – الروسية الثنائية إنعدام الإرادة الصادقة عند ” ديمستورا ” ومن يقف إلى جانبه لدفع حل سياسي موضوعي وقانوني يرتكز على قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 2254، وينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة، سيما ما يتعلق بسيادة الدول وحق تقرير مصير شعوبها،  وهذه المماطلة من قبل ” ديمستورا ”  لاقت انتقاداً صريحاً من قبل الجانب الروسي عبّر عنه وزير خارجيتها ” سيرجي لافروف ” الذي قال : ” إننا قلقون مما يُبديه ستيفان ديمستورا من التقاعس في الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالدعوة إلى إجراء جولة جديدة من المفاوضات السورية، وما يُطلقه من تصريحات عن ضرورة أن تتوصل روسيا والولايات المتحدة إلى كيفية إدارة الشؤون المتعلقة بالتسوية السياسية في سورية …وإن ديمستورا أراد أن يلوح من خلال هذه التصريحات إلى أن الأمم المتحدة وأمانتها لن تجريا جولة جديدة من المشاورات السورية إلا بعد التوصل إلى مثل هذا الإتفاق ..حيث جدد الوزير الروسي تأكيده أنه لا يحق لأحد باستثناء السوريين أنفسهم تحديد مستقبل بلادهم ..وتابع لافروف أن روسيا ستحاول العمل بصورة أكثر صراحة للتوصل  إلى اتفاقات بشأن تطبيق قرارات مجلس الأمن والمجموعة الدولية لدعم سورية ..” .

على الرغم من استعداد الحكومة السورية وقيادتها السياسية منذ بداية الحرب على سورية للسير قدماً في أية مبادرة طيبة تهدف إلى الوصول لحل سياسي يوقف نزيف الدم السوري، لكن الواقع يفرض غير ذلك، ويُعطي للحسم العسكري ضد الإرهاب المشروعية الأولى في ظل غياب النوايا الدولية الصادقة لحل سياسي منطقي، وإن ما نسمعه من تصريحات سواء من الجانب الأمريكي أو حلفائه في المنطقة لن يخرج عن كلام تكتيكي لتغطية نوايا خبيثة، وما صرح به مؤخراً رئيس وزراء تركيا ” علي بن يلدريم ” لا ينسجم مع واقع السياسة العدائية التي يُمارسها نظام أردوغان تجاه سورية وشعبها، وقبل أن يتحدث ” يلدريم ” عن عودة العلاقات بين بلده الشريك الأخطر في الحرب على سورية والعراق إلى حالتها الطبيعية مع تلك الدول كان عليه أن يقوم بخطوات حسن نوايا ويُعلن التزام حكومته بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويقوم بعمل جدي لوقف دعم الإرهابيين ويُغلق حدود بلاده مع كل من سورية والعراق ويمنع استمرار تدفق الإرهابيين عبر هذه الحدود ويُساهم بشكل مباشر بتجفيف منابع التمويل للإرهابيين والتي يُشارك نظامه بتقديمها  ويسهل وصولها إلى التنظيمات الإرهابية في كل من سورية والعراق !

لم تُخف الولايات المتحدة وحلفائها قلقهم البالغ من تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه في معركة حلب التي كانوا يعتبرون سيطرة الإرهابيين على أجزاء واسعة منها من المكاسب الأساسية لهم في حربهم على سورية، ومادة هامة للضغط على الحكومة السورية في أية مفاوضات قادمة، وقد يكون لحضور وزير خارجية أمريكا ” جون كيري ” إلى موسكو عاجلاً صلة مباشرة فيما يُحققه بواسل قواتنا المسلحة في حلب والحصار التام الذي فرضوه على التنظيمات الإرهابية التي آلمت حلب وشعبها ومارست تدميراً وخراباً لا يُطاق، لكن هذه المرة لن تُجدي معها أية هدنة أو وقف للأعمال القتالية، وإن تحرير حلب أصبح من أولى المهام القريبة التي سيُنفذها الجيش العربي السوري وحلفائه، وهي تُمثل الطريق الأساسي الذي سيفرض اتجاه اجباري وحيد لحل الأزمة السورية سياسياً، وقد أكد المتابعون بأن الحرب على سورية ستكون نهايتها قريبة ومرتبطة بنتائج معركة حلب الأخيرة، وإن ما بعد انجاز تحرير حلب مختلفة كلياً عما قبله ولا عودة إلا الوراء …

 

محمد عبد الكريم مصطفى

Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com

13 / 7 / 2016