مساحة حرة

هزيمة «الفوضى الخلاقة».. وصكوك الغفران الأممية

سنوات طويلة اعتمدت فيها الولايات المتحدة الأمريكية على قوة جيشها و تحركه خارج الحدود .. و في كل اتجاه و بلا حدود .. لتكريس هيمنتها و فرض سيطرتها على العالم , و خاض جيشها عديد الحروب و المعارك في فيتنام و العراق …. و غير مكان.

ولم يعد يسعفها تغييب مواطنيها وتبرير فشلها وضعف اقتصادها وحجم ديونها… إذ فضحتها نعوش جنودها العائدة براً وبحراً وجواً …. كان لا بد من ايجاد وسيلةٍ أخرى تحارب عبرها ولا تتحمل وزرها وفواتيرها.. فوجدت ضالتها في جيوش وإمكانات ومقاتلي الاّخرين…!!! لقد نحجت بإحتواء وتجنيد كل ذي أثرٍ وتأثير على الأرض في مناطق عملها وساحات تحركها… فأنتجت منظمات إرهابية قادرة على تنفيذ ماّربها دون أن تظهر في الواجهة أو تتحمل نتائجها وتبعاتها وعواقبها.

لقد اعتمدت على دولٍ تملك ايديولوجيات دينية متطرفة يتناسب فكرها مع طبيعة المخطط الجهنمي اللازم لتفتيت المنطقة.. لقد أنعشت تنظيم القاعدة ودعمته واستثمرته أحسن استثمار, واتخذت منه عدواً مفترضاً يفسح أمامها المجال والذريعة عبر محاربته, وسيلةً لتنفيذ أهدافها في المنطقة والعالم. فأطلقت حملتها الإعلامية التضليلية لتفرض غموضاً وتشويهاً للصورة الحقيقة وتبعد نفسها عن المشهد والشبهة .. وأطلقت تفسيرها وتوصيفها عبر ما سمي “الفوضى الخلاقة”. فوضى تخرق الدساتير والقوانين والحرمات, وتدفع بالمجتمعات الى كسر ضوابط الأمن والسلام.. لتجد فرصتها في الدخول على خط الحروب والأزمات.. و تفرض شروطها و سياساتها .. وأما البديل فهو الحروب وعدم الاستقرار وإراقة الدماء. لقد أطلقت استراتيجيتها الجديدة – الفوضى الخلاقة – و سخرتها لفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد, عبر الحروب ومخاض الدم كما وعدت كوندي رايس. مشروعٌ يرمي الى تقسيم وتفتيت المنطقة ودولها وتشظيها .. وسلب مقدراتها القديمة والجديدة (النفط والغاز المكتشف في ساحل البحر الأبيض المتوسط), وترك المنطقة تحت زعامة ربيبتها “دولة اسرائيل الكبرى”.

لقد دفعت بالفوضى الخلاقة في ثوب “الربيع العربي” الذي سيحمل الى الشعوب المخدوعة الحرية والديمقراطية. لقد أرادتها فوضى مطلقة وحقيقية فاعتمدت على سياسة قطع رأس الأخطبوط.. وألقت به في البحر (زعيم تنظيم القاعدة), وتركت لأذرعه التي لا تعد ولا تحصى حرية الفوضى والقتل والدمار.. وأخذت تقودها من خلف الستار.

تدحرج الربيع ووصل الى سورية .. وفعل فيها ما لم تشهده عين وتسمع به اذن .. سلبٌ ونهبٌ وتقطيع رؤوس وتدمير بنى الدولة وقطع شرايينها وأوصالها ونحرٌ لعنقها. لكن سورية .. الدولة القوية من الداخل بفضل قيادتها وجيشها وصمود شعبها, وقوة تحالفاتها الخارجية.. تمكنت من ايقاف عجلاته.. وبعد ثلاث سنوات من الحرب الكونية عليها.. وكانت معركة القصير حاسمةً وفاصلةً.. قرأت فيها الولايات المتحدة الأمريكية نبأ خسارتها وتأكدت من فشلها, وعلمت أن عليها الإنسحاب وبأقل الخسائر والاكتفاء بالتأسيس لمكاسب سياسية أو استراتيجية على المدى القريب والبعيد. كان لا بد لها من ايقاف عجلة النصر السوري.. التي انطلقت بزخمٍ وسرعةٍ جعلت التاريخ يغير أوراقه وأقلامه.. وفرضت على الولايات المتحدة أن تغير أدواتها وأساليبها.

كان لا بد من التنصل من الخراب والدمار والدماء.. فالغضب السوري وأوراق الحق التي امتلكها من أدلةٍ واثباتات في تورط الإدارة الأمريكية قبل غيرها ليس بالقليل .. لقد فكر أوباما وقرر التراجع والإنسحاب و نزل عن شجرة غطرسته وعنجهيته مكتفياً بملف السلاح الكيميائي. وكان لا بد من ترتيب الإنسحاب.. ولكن كيف..؟؟؟ لقد أصبحت غراس الإرهاب أعمدةً شاهقة وأخذت تخرج عن الطاعة وتظهر تمردها بفضل مشغليها المباشرين (السعودية – قطر – فرنسا – تركيا….) وبدأت تنفذ أجندات خاصة لم ترض بها الولايات المتحدة .. خاصةً بعد أن تمددت التنظيمات الإرهابية وحصلت على تمويلها الذاتي من السرقة وبيع النفط السوري والعراقي لبعض هذه الدول .. فبدت هذه التنظيمات كمن يلامس خد الولايات المتحدة و يستعد لصفعها.

فشل على فشل وتقهقر وتراجع ………. كما أن تمدد الإرهاب واتساع رقعته رفع من امكانية انتقاله الى دولٍ أخرى بما فيها دول المنشأ المحلية والإقليمية .. وفي الوقت نفسه لم تعطهم سورية فرصةً لحفظ ماء الوجه سياسياً أو عسكرياً فالجيش يسير نحو النصر الحتمي, والرئيس الأسد أقوى وأصلب مما توقعوا وظنوا … فوقعوا بين فكي كماشة.. وكان لا بد من ايجاد حلٍ سريع……… فكان الحل عبر العراق و تنظيم “داعش”. الذي قام بقضم جميع من هم على الأرض من جيش حر وجبهة اسلامية ونصرة وكل من يقف في طريقه ويأتمر بغير أمره … لضمان عدم الفشل في الفرصة الأخيرة وفي السباق مع انتصارات الجيش العربي السوري.

لقد أعلن “داعش” أهدافه المرعبة لهم قبل سواهم بإقامة دولة خلافته.. مع تعاظم قدرته و شرّه.

انهم مذهولون.. لا بد من ضرب “داعش” الذي هدد مصالح الجميع.. ولا بد من الإستعانة به ..!!!!!! أراد الرئيس أوباما التأثير على سورية واستنزافها باستمرار الحرب وباستخدام أوراق المعارضة … فلم يفلح فالجيش قوي والدولة متماسكة والمعارضة مهترئة….. فلجأ الى العراق وسمح لـ”داعش” بالتمدد ليضغط على حكومة المالكي ويفرض سياسة تغيير الأنظمة بالقوة مستغلاً ضعف امكانيات وتسليح الجيش العراقي … ووضع شروطه ليضرب “داعش” في العراق تحت ذريعة ايجاد حكومة عراقية شاملة.. أما في سورية فتذرع بعدم وجود شركاء له على الأرض.. وبكلامه هذا ينهي أوباما ويلغي كل الأدوار التي لعبت تحت مسمى معارضة داخلية أو خارجية ومن يقودها من أتراك وأوروبيين وعرب.. وفي الوقت نفسه لا يريد وللتاريخ .. أن ينكسر أمام الرئيس الأسد. فليس أمام أوباما إلاّ الخروج بماء الوجه.. فلا يبدو في الأفق السوري مجالٌ لمنحه فرصةً التغيير أو الإنتصار… لقد روّجت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية وعظّمت وضخّمت خطر التنظيمات الإرهابية على بلدانهم ومجتمعاتهم في محاولةٍ للتمهيد لقرار إنهاء الحرب على سورية.. وراح الجميع يجتهدون للتملص والتهرب من العواقب فكان القرار 2170 الذي اتخذوه بالإجماع في مجلس الامن وتحت الفصل السابع والذي يقضي بفرض عقوبات على كل من يقدم الدعم لتنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” الإرهابيتين.

يا له من قرار فضفاض ولا يحمّل الدول مسؤولية ما اقترفت أيديها مثل تركيا وفرنسا والسعودية وقطر والاردن واسرائيل…… الخ.

أرادوا من هذا القرار استصدار صكوك غفران أممية تجعلهم بعيدين عن المحاسبة والملاحقة.. وليس لوقف العدوان على سورية.. ولكن هيهات.. فالدولة السورية تملك كل الوثائق والأدلة والصور وحتى الإعترافات.. وتعرف كيف تستخدمها كأسلحةٍ إضافية في الدفاع عن أرضها و شعبها.

ميشيل كلاغاصي

One thought on “هزيمة «الفوضى الخلاقة».. وصكوك الغفران الأممية

  • الشندي

    كلام صحيح ليس عليه غبار ثابروفقك الله

Comments are closed.