مساحة حرة

هكذا حلّت السعودية مشكلة ترامب في المجتمع الأمريكي

أمام سيطرة السياسة على التفكير العام في عالمنا المعاصر تغيب في بعض الأحيان مضامين مهمة تتخطى حدود الصفقات السياسية والعسكرية إلى ماهو أعمق اجتماعياً و بنيوياً.

المشكلة هنا لدى ترامب أن برنامجه الانتخابي حاول الجمع بين أمرين يبدوان متناقضين، الأول وعوده للتوسع في البنى التحتية في المجتمع الأمريكي، والثاني وعوده بتخفيف الضرائب خاصة على الرأسمال المستثمر في الداخل الأمريكي.

إنها محاولة للجمع بين برنامج (نيوديل) لفرانكلين روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي من جهة، وبرنامج (الليبرالية الجديدة) لرونالد ريغان في ثمانينيات القرن نفسه من جهة أخرى.

أين المشكلة: التوسع في البنى التحتية يؤدي إلى زيادة في مشاريع الحكومة ويعزز الطلب على اليد العاملة مما يرفع أجرتها وبالتالي يدعم الطبقات الشعبية. لكن هذا بحاجة إلى استثمارات ضخمة وميزانية حكومية جاهزة ومليئة. بالمقابل، خفض الضرائب يعني حرمان الميزانية من مداخيل ضرورية.

لا أحد يستطيع أن ينكر على «الرئيس الثرثار» دونالد ترامب ذكاءه في تدبير الأمور. فلقد وجد غايته في ما سماه هو نفسه بالبقرة الحلوب «احتراماً منه وإجلالاً» للعائلة السعودية «الحليف الموثوق»..

كان من أهم ما أمر به ترامب في الرياض هو أن تقوم السعودية باستثمارات ضخمة في مشاريع البنى التحتية في الولايات المتحدة بحيث يزيح الرئيس الأمريكي هذا الهم عن كاهل ميزانية حكومته. هذا يعني أن السعودية ستكون (روزفلت) بينما هو سيأخذ دور (ريغان) في دعم الرأسمال الأمريكي الكبير وتخفيض الضرائب عنه..

السعوديون فرحوا بالطاعة واعتبروها خيراً لهم لأن الاستثمارات تجلب عائداً أكبر من عوائد البنوك الأمريكية حيث تقبع مليارات الدولارات السعودية. أما السؤال المحرج: لماذا لا تستثمر الرياض أموالها في الوطن العربي بدلاً من تمويل الإرهاب خاصة وأن العائد سيكون أفضل بكثير من البنى التحتية الأمريكية، فهذا سؤال يبقى بلا معنى مادام الأمر يتعلق بإطاعة أوامر واشنطن.

وهناك أمر آخر. فلقد استطاع ترامب، عبر السعودية، التوفيق بين متناقضين آخرين، وهما العمل من أجل الشراكة مع روسيا وفق نظام عالمي جديد من جهة، وإبقاء عجلة مصانع الأسلحة دائرة من جهة أخرى. أي أنه استطاع التوفيق بين مصالح اللوبي التجاري ولوبي المجتمع الصناعي الزراعي في كاليفورنيا من جهة، ومصالح المجمع الصناعي العسكري من جهة أخرى. إيضاح هذا سيكون موضوع الأربعائيات القادمة.

د. مهدي دخل الله